الأراضي الزراعية الممتدة في ولاية الجزيرة والتي كانت في السابق تحقق الاكتفاء الذاتي وتفيض تحولت طيلة سنوات الإنقاذ إلى أرض بور، تحصد الحسرة بدلاً عن القمح والقطن، وطيلة السنوات الماضية عانت الزراعة معضلات حقيقية توقفت بالكامل عملية الإنتاج الزراعي وتحول مشروع مثل مشروع الجزيرة الذي كان يشكل عصب الاقتصاد السوداني إلى مجرد مساحات محدودة لزراعة، البصل، العدس، القمح وبعض القطن، وتحول مواطن الجزيرة إلى مستهلك رئيسي بعدما كان المنتج الرئيسي.
كان كل هذا طبيعي. طبيعي أن يصل القطاع الزراعي إلى هذه الدرجة من التدمير الممتد، لأن الثقافة الاقتصادية والسياسية التي رسخت لها الإنقاذ أن الزراعة غير مجدية مقابل النفط الذي تم اكتشافه مطلع التسعينيات، فهرولت الإنقاذ إلى الطريق السريع للثراء، صحيح أن النفط مثل مورداً هاماً طيلة السنوات التي سبقت انفصال جنوب السودان، لكن المكاسب الكبرى من عائدات النفط ذهبت للتنظيم وأعضاء الحزب الحاكم، مقابل ذلك أُهملت الزراعة حتى هجرها أصحابها اضطراراً فجفت الأرض وانتهى المشروع إلى ما هو عليه الآن.
والآن العودة إلى رشدنا الاقتصادي ضرورة قصوى، هذه الأرض إذا ما تم إحسان إدارتها ستحقق الاكتفاء وتفيض، أن يتغير الخطاب الاقتصادي، أن نتوجه بكلياتنا نحو إنبات الأرض، أن تصعد كليات الزراعة بالجامعات إلى المراتب العليا.
تحتفي مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام بصور حصاد القمح وإنتاجيته لهذا العام، هذا الاحتفاء يشير في طياته إلى الحل يكمن هنا.
واحدة من أسباب انهيار الاقتصاد بعد فقدان مورد النفط هو أن الحكومة لم تكن تعمل لأجل إعداد بدائل حقيقية بحيث تكون المورد الرئيسي على أقل تقدير فيما يتعلق بالاكتفاء الذاتي وتقليل حجم المستورد، فكانت خطط الاقتصاد لمجابهة فقدان النفط لم تتعد، تقليل الإنفاق الحكومي ثم رفع الدعم عن المحروقات، لم تخاطب تلك الخطط مسألة الإنتاج، خاطبت على الدوام مسائل إجراءات اقتصادية، زيادة ضرائب وجمارك ورفع دعم، وهذه بنتائجها الكارثية يدفع ثمنها المواطن.
حان الوقت للاتجاه نحو الإنتاج؛ الإنتاج الحقيقي على الأرض وليس أمام الميكروفونات. الزراعة لوحدها قادرة على وضع الاقتصاد في مساره الصحيح، الحاجة إلى وضع سياسات زراعية حديثة تجذب المزارعين أكثر للعودة لإنبات الأرض. مثلما هناك ضرورة لعقد مؤتمر اقتصادي هناك بالمقابل حاجة ملحة لتخصيص مؤتمر زراعي جامع يحتشد فيه أصحاب الأرض والخبراء الزراعيين لتشخيص الوضع وطرح المقترحات والحلول.
لا بد من تغيير وضعيتنا من مستهلك إلى منتج.
التيار
اقرا الخبر ايضا من المصدر من هنا عبر صحيفة الراكوبة نيوز