كتابات

أميره محمد عبدالحليم تكتب السودان.. المدافع تُسقط الهُدن الإنسانية

مصدر الخبر / السودان نيوز

د. أميره محمد عبدالحليم *

تواصل الاشتباكات بين طرفي الصراع في السودان، يحمل مزيداً من التعقيد على المشهد السوداني؛ حيث لا تتوقف آثار الصراع المسلح عند حدود الحسابات الميدانية وموازين القوى وخسائر ومكاسب طرفي الصراع. فالمواجهات المسلحة لا تدور في مساحات خالية من السكان والمؤسسات والممتلكات، ومن ثم تتجاوز آثار الصراع العمليات العسكرية لتطول البشر، وممتلكاتهم، ومقدرات الدولة.

استمرار الاشتباكات يطرح تساؤلات حول مستقبل الاستقرار، وكذلك مستقبل العملية السياسية التي راهن عليها الشعب السوداني منذ نجاح ثورته في إسقاط نظام البشير، والذي أخذ على عاتقه مهمة الكفاح في سبيل تحقيق الطموحات الديمقراطية وإرساء نظام حكم مدني في البلاد.

هدنة مضطربة

من الناحية الأمنية، نجحت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في إقناع طرفي الصراع بالالتزام بوقف إطلاق النار لمدة أسبوع بدأ يوم الاثنين 22 مايو/أيار 2023. وعلى الرغم من وجود اختراقات لهذه الهدنة وخاصة في الساعات الأخيرة من انتهائها، فإنها تمثل بداية «مبشرة» لإمكانية التوصل إلى محادثات أو عقد مفاوضات لتسوية الأزمة بين طرفي الصراع، وعلى هذا المنوال توافق الطرفان على تمديد وقف إطلاق النار خمسة أيام أخرى، لتأمين ممر آمن للمساعدات الإنسانية وقيادة محادثات أوسع نطاقاً.

في وقت لم تهدأ الاشتباكات في إقليم دارفور على وقع الأزمة، حيث استمرت المواجهات بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع في الإقليم على الرغم من سريان الهدنة، هذا فضلاً عن المواجهات بين القبائل العربية والإفريقية؛ حيث أحرقت قرى بأكملها، ويواجه سكان الإقليم وضعاً إنسانياً كارثياً في ظل انعدام الخدمات وتدمير البنية التحتية وعمليات نهب المساعدات والممتلكات، وهذا ما أدى إلى اتجاه حاكم الإقليم مني اركو مناوي إلى دعوة مواطني الإقليم في 28 مايو/أيار، لحمل السلاح لحماية أنفسهم وممتلكاتهم.

وعلى المستوى الإقليمي، تبرز العديد من المخاوف من احتمالات امتداد تأثيرات الصراع في السودان إلى الدول المجاورة، حيث تتصاعد التهديدات عبر حدود السودان مع دول الأزمات (جنوب السودان وإثيوبيا وإفريقيا الوسطى وليبيا) وسط معلومات عن تبادل الأسلحة والمقاتلين بين الجماعات المسلحة في السودان ونظيرتها في هذه الدول، والأخطر من ذلك، استغلال التنظيمات الإرهابية للفراغات الأمنية التي تسفر عنها الأزمة في السودان في تحويل أجزاء من أراضيها لملاذات آمنة للعناصر الإرهابية.

كما عقد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، جلسة عبر تقنية الفيديو كونفرانس في 27 مايو/أيار 2026 بحضور ممثلين لمنظمات إقليمية ورؤساء دول جوار السودان، لبحث خفض التصعيد والتنسيق بين كافة الأطراف المعنية لوقف إطلاق النار وتعزيز الممرات الإنسانية والعودة للحوار السلمي، ودعا مجلس السلم والأمن، في بيان ختامي، إلى ضرورة وقف القتال في السودان فوراً ومن دون شروط مسبقة.

أولوية العمل الإنساني

وتركز معظم التحركات الخارجية لمعالجة الصراع في السودان، في المرحلة الراهنة على العمل الإنساني، وكيفية إنقاذ أكبر عدد من أرواح البشر وسط المواجهات المشتعلة بين طرفي الصراع، واضطرار أكثر من 1.4 مليون مواطن سوداني إلى ترك منازلهم، والنزوح قسرياً للداخل أو اللجوء إلى دول الجوار؛ حيث يشير البيان الأخير للمنظمة الدولية للهجرة إلى أنه تم تسجيل غالبية حالات النزوح الداخلي في ولايات «غرب دارفور، والنيل الأبيض، ونهر النيل، والولاية الشمالية»، وأن مصر استقبلت أكثر من 150 ألف وافد، تليها تشاد 80 ألفاً، وجنوب السودان 69 ألفاً.

وكانت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو» وبرنامج الأغذية العالمي، قد أعلنا في تقرير مشترك، أنه تم رفع السودان إلى جانب دول هايتي ودولتي بوركينافاسو ومالي في منطقة الساحل إلى أعلى مستويات القلق على توفر الأغذية للسكان. وتنضم هذه الدول الأربع بذلك إلى لائحة تضم أفغانستان ونيجيريا والصومال وجنوب السودان واليمن؛ حيث تُصنف هذه الدول على أنها في حالة إنذار قصوى وتتطلب «اهتماماً عاجلاً». وقال التقرير إن جزءاً من سكان هذه البلدان يعاني مجاعة أو قد يتعرض لها، بما يشكل مرحلة «كارثة» (المرحلة 5) أعلى درجة تصنيف على صعيد الأمن الغذائي، ويتعرض سكان هذه البلدان فيها لخطر التدهور نحو ظروف كارثية لأنهم أساساً في حالة طوارئ (المرحلة 4). وعبّرت المنظمتان عن قلقهما من عودة ظاهرة «إل نينيو» المناخية إلى هذه المناطق الضعيفة؛ حيث تترافق هذه الظاهرة عادة مع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الجفاف في بعض مناطق العالم والأمطار الغزيرة في مناطق أخرى.

كما دعا رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فكي، مجدداً إلى ضرورة وقف إطلاق النار، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية. وقال، في كلمة له عبر الفيديو في قمة مجلس السلم والأمن الإفريقي حول السودان، «يجب على أطراف الصراع في السودان وقف إطلاق النار على الفور، والسماح بالعمل الإنساني».

كما أكدت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة، أنه على الرغم من اتفاق الهدنة، فإنها تكافح من أجل الحصول على موافقات وضمانات أمنية بغية وصول المساعدات وفرق الإغاثة إلى الخرطوم وغيرها من الأماكن المحتاجة، لاسيما بعد أن تعرضت مستودعات لعمليات نهب.

العملية السياسية

وأمام هذا المشهد الذي تسعى خلاله القوى الخارجية المختلفة إلى وقف الاقتتال في السودان، وإقناع طرفي الصراع بوقف فعلي لإطلاق النار، ثم جذبهما للتفاوض وتسوية الصراع، لمنع انزلاق البلاد نحو فوضى لا يمكن التكهن بتداعياتها؛ حيث ينظر الكثيرون إلى إصرار طرفي الصراع على الحسم العسكري أنه يعود إلى طموحات كل منهما في الحصول على مكاسب أكبر خلال المرحلة المقبلة، وألاّ يغيب عن المشهد السياسي المستقبلي للسودان، ليظل المكون العسكري يتصدر واجهة الأحداث.

ومن ناحية أخرى، يحمل استمرار الصراع المسلح تداعيات خطِرة على العملية السياسية التي بدأها السودانيون وبذلوا جهوداً مضنية للدفع بها، طامحين في استكمال المرحلة الانتقالية للوصول إلى عقد انتخابات حرة ونزيهة لإرساء حكم مدني خلال عام 2024؛ حيث يتوارى المكون المدني مع مرور الوقت عن المشهد السوداني، ويتزامن ذلك مع تصاعد الاتهامات لقوى خارجية في مقدمتها الولايات المتحدة بالتقاعس عن دعم المكون المدني في السودان بتحالفاته المتعددة.

* باحثة في الشؤون الأفريقية- مركز الأهرام للدراسات
جريدة الخليج

عن مصدر الخبر

السودان نيوز

تعليق

  • للاسف لم تنج الوساطة الامريكية السعودية،لانه لم تقيم الوضع تقويما صحيحا،يميز بين المجرم والضخية،والمعتدي والمدافع عن نفسه،ومن ثم جاءت معالجتهم للوضع قاصرة ولم يقبل بها الجيش السوداني،او بعبارة اصح الاستمرار فيها.