تقرير: عماد النظيف
يبدو أن الحزب الشيوعي السوداني يراهن على فشل التسوية السياسية وضعف الحكومة التي ستنتج عنها، وإعطاء مصداقية لطرحه القائل بأن التغيير لا بد أن يكون جذرياً وحاسماً وشاملاً لكل المشهد السياسي.
وظل موقف الحزب ثابتاً من العملية السياسية، في وقت أصبحت فيه بعض الأطراف تراجع حساباتها وتعمل على تقدير موقفها لإيجاد موطئ قدم أو دور في المرحلة القادمة ما بعد تشكيل الحكومة، لكن السؤال الجوهري الذي يلاحق ليس الشيوعي فحسب، بل تحالف قوى التغيير الجذري ككل، هو كيف يتم التغيير جذرياً وبأية وسيلة؟
وأعلنت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) في تغريدة على صفحتها في (تويتر) عن عقد الآلية الثلاثية اجتماعاً مع ممثلين عن الحزب الشيوعي السوداني، وأشارت البعثة في تغريدتها الى ان الاجتماع مع ممثلي الحزب الشيوعي السوداني كان بناءً وأتاح فرصة لتبادل الآراء بشأن العملية السياسية في السودان، وقال الحزب إن بعثة الأمم المتحدة لدعم المرحلة الانتقالية (يونيتامس) فشلت في أداء مهامها بالبلاد.
موقف ثابت
ولكن القيادية في الحزب الشيوعي آمال تؤكد لـ (الانتباهة) أن موقف الحزب ثابت من الاتفاق الاطاري ويؤكد على لاءات الشارع الثلاث، كما أن لقاء الآلية لم يكن الاول، وفى كل مرة يعلن الحزب أنه لن يخون دماء الشهداء بالتسوية ولن يحيد عن استكمال مهام الثورة واسترداد الديمقراطية.
وقالت آمال إن الحزب أكد خلال اللقاء على تمسكه بالسيادة الوطنية واستقلال القرار السودانى الذى مثلت بعض تحركات الآلية انتهاكاً له، وأكد أيضاً على موقفه الثابت بإلغاء قانون مليشيا الدعم السريع وحلها.
اجتماع مهم
وكشف الحزب في بيان له عن إجرائه عملية تقييم لأداء البعثة الأممية خلال عام، وأضاف أن اجتماع قادة مكتبه السياسي مع قيادات البعثة وعلى رأسهم ممثل الأمين العام للأمم المتحدة فولكر بيرتس، انتهى بأن (يونيتامس) فشلت في مهامها وعلى رأسها إنجاز التحول الديمقراطي وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، فضلاً عن وقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والاكتفاء بالإدانات، واستدل على ذلك باستمرار الاحتجاجات المطالبة بإسقاط الحكم العسكري، ورفض أسر ضحايا القمع في الاحتجاجات وأهالي ضحايا الحرب في المعسكرات ورش العدالة الانتقالية التي جرى تنظيمها أخيراً، بحسبان أنها تفتح الطريق للإفلات من العقاب مما يؤدي للمزيد من الانتهاكات وعدم حماية المدنيين، وأبلغ الشيوعي قادة البعثة رفضه الاتفاق الإطاري والتسوية السياسية الهادفة لتصفية الثورة والإفلات من العقاب وتكريس استمرار العسكر في السلطة تحت اسم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأكد الشيوعي لقادة البعثة تدهور الأوضاع الأمنية بالبلاد جراء انتشار الجيوش والمليشيات، مطالباً بإبعاد الحشود العسكرية المتمركزة في المدن، والمسارعة في ترتيبات أمنية لحل الدعم السريع وجيوش الحركات وفلول ومليشيات الجبهة الإسلامية، والاستعاضة عنها بجيش قومي مهني وموحد.
رؤية الشيوعي
ويشير المحلل السياسي الفاتح محجوب إلى أن رؤية الحزب الشيوعي واضحة جداً وتقوم على رفض اية حكومة لا تعبر بشكل كامل عن مطالب الثورة، وهو لهذا الغرض تحالف مع حركتي الحلو وعبد الواحد محمد نور، وهما حركتان تمتلكان رؤية تغيير جذرية للدولة السودانية، ولهذا تمت تسمية تحالفهما مع الحزب الشيوعي بالتحالف الجذري الذي انضم اليه ايضاً احد شقي تجمع المهنيين وبعض لجان المقاومة، وبالنسبة لفولكر من المهم كسب تأييد لجان المقاومة وتجمع المهنيين للاتفاق الاطاري لضمان توقف التظاهرات ضد الحكومة الانتقالية الجديدة، ولكن الحزب الشيوعي الذي سبق له ان قرر مقاطعة مشاورات الامم المتحدة لم يرفض التفاوض مع الامم المتحدة دون ان يلزم نفسه بشيء، وبالتالي لا جديد في موقف التحالف الجذري من العملية السياسية الجارية الآن.
حدوث تحول
ولا يعتقد المحلل السياسي محيي الدين محمد محيي الدين أن هذا الاجتماع مؤشر على حدوث تحول في موقف الحزب الشيوعي الذي يتمسك بالتغيير الجذري ويرفض التعامل مع المكون العسكري. وبالتالي فإن قبول الشيوعي بالجلوس مع الآلية انعكاس لنشاط الحزب في تلمس الآراء وتوضيح موقفه من العملية السياسية الجارية حالياً، ولا يشكل تغييراً في موقفه المعلن، وبالنسبة للبعثة الاممية فإنها تسعى لتسويق التسوية وجذب من تعتقد انهم أصحاب المصلحة لدعمها، وذلك لادراك البعثة هشاشة العملية السياسية في ظل رفض مكونات مهمة التوقيع على الاتفاق الاطاري مثل الكتلة الديمقراطية بمكوناتها السياسية المختلفة. وفشل البعثة في اقناع الشيوعي بالتوقيع على الإطاري سيقوض جهود تقديم العملية السياسية بحسبانها المخرج من الازمة الحالية. ومن جهة أخرى فإن الحزب الشيوعي يراهن على فشل التسوية وضعف الحكومة التي ستنتج عنها، وبالتالي إعطاء مصداقية لطرحه القائل بأن التغيير لا بد أن يكون جذرياً وحاسماً وشاملاً لكل المشهد السياسي بما فيه مؤسسة الجيش.
المصدر من هنا