كتابات

عثمان ميرغني يكتب زغاريد .. ورشة عمل العدالة الانتقالية

مصدر الخبر / جريدة التيار

عصر أمس شاهدت في شاشات الفضائيات، زميلنا الصحفي التيجاني خضر يتلو توصيات ورشة العمل الخاصة بالعدالة والعدالة الانتقالية، وبعد كل توصية تنطلق زغاريد جماعية من القاعة، مثلاً : توصية (تدعو الورشة لإنهاء الإفلات من العقوبة) .. ثم زغرودة.. تدعو الورشة لتعلية قيم العدالة.. زغرودة..تدعو الورشة لتحقيق دولة القانون.. زغاريد.. فما معنى ذلك..

في الضمير السوداني أن السياسة فعل ورد فعل.. ليس بالمعنى الحصيف الذي يفترض أن الفعل ورد الفعل يأتيان في سياق (و في ذلك فليتنافس المتنافسون) بل من باب ما يعرف شعبياً بـ”المكاواة”.. عندما ينجح فريق سياسي في عمل ما، فإنه يحرص على أن يتحول العمل إلى رصيد انفعالي يعبر عن نصره على الفريق الآخر حتى ولو كان الفعل نصراً للجميع وليس لفريق دون فريق..

في الحراك السياسي غالباً ما تغيب الأهداف الكبرى لصالح الأفراح الصغرى، مثلاً تنجح قوى الحرية والتغيير في التوصل الى مواقيت محددة لإكمال بقية إجراءات العملية السياسية المفضية لتشكيل هياكل الحكم لما تبقى من الفترة الانتقالية، وهذا عمل مهم يستعيد الاستقرار السياسي ويضع البلاد في الطريق الصاعد نحو التغيير السياسي الحقيقي، لكن الإحساس الكامن في أن النصر لا يتحقق إلا إذا ثبتت حسرة الهزيمة على الطرف الآخر يحول الأمر إلى “مكاواة سياسية” فيها كثير من غمز ولمز الطرف الآخر بأنه الآن يخسر، فتكون النتيجة ارتفاع أنزيمات الاستفزاز التي تحمل الطرف الآخر على تلمس الوسائل التي تحول الهزيمة الى نصر بعرقلة إجراءات الطرف الأول.

هذا المسلك لا ينحصر في ورش العمل أو الاتفاقيات أو غيرها من الإجراءات فحسب، بل يدخل في قضايا خطيرة للغاية، هل تذكرون متى وُلد شعار “مدنياااااااااو”؟

دعوني أذكركم، خلال مفاوضات الحرية والتغيير مع المجلس العسكري في بواكير أيام ما بعد الإطاحة بالنظام القديم في مايو 2019، بدأ الثوار في ساحة الاعتصام يتضجرون من تطورات المفاوضات لإحساسهم أن المبادرة في يد المكون العسكري وأن المفاوضين المدنيين يتراجعون بفعل خلافاتهم “ومكاجراتهم” المتبادلة.. في تلك الأيام لم يكن ممكناً رمي “الفلول” بأنهم وراء أية هزائم سياسية لمكونات الحرية والتغيير السياسية، فالنظام السابق كان لا يزال دمه المسفوح رطباً فلا يصلح لتصويره عدواً قادراً على فعل معارض للثورة، فما الذي توصل إليه المكر السياسي في سياق البحث عن عدو يتحمل أوزار النكسات التفاوضية، من هنا جاءت صيحة “مدنياااااااااو” وهي عبارة تعني إن الطرف الآخر–العدو- أصبح هو “العسكري” وليس مجرد “المكون العسكري” أي عسكري نظامي يرتدي الزي الرسمي “اليونفيورم” هو مشمول في “مدنياااااو”، ومن هنا بدأت الفجوة الخطيرة التي صنعت برزخاً بين المجتمع السوداني في مكوناته المدنية والعسكرية.. وأنجبت رد الفعل “مش دي المدنية العاوزنها؟” التي بدأت تتردد من أي مَنْ يرتدي الزي النظامي.. فعل و رد فعل ليس فيهما أية نظرة حصيفة للمصلحة العليا للوطن والمواطن.

الشعار “مدنيااااااو” هو محض اختلاق لعدو متوهم.. يمنح الإحساس بأن الهزيمة للمفاوض السياسي المدني كانت من فعل هذا العدو..

ورشة العمل التي ناقشت “العدالة والعدالة الانتقالية” هي فعالية منظمة للحصول على أعلى مشاركة من أصحاب المصلحة والأطراف المهتمة للمساعدة في الوصول الى قانون للعدالة الانتقالية ومؤسساتها، وهو بهذا التوصيف لا يصلح للهتاف ولا الزغاريد ولا حتى التصفيق، فإذا تحول الى صالة أفراح تعلوها أصوات الزغاريد دون اعتراض من أية جهة منظمة فهذا يجعلها فعلاً سياسياً يستهدف جمع النقاط، ويمحق بركة أن تكون الخطوة مرحلة إلى الأمام توفر مزيداً من الرصيد السياسي الوطني لصالح الجميع.

من الحكمة أن يدرك الفاعلون في المضمار السياسي.. أن ما للبهجة والمسرة، للبهجة والمسرة.. وأن ما للفعل الحصيف التراكمي،هو للوطن بلا بطاقة سياسية تميزه.

 

عن مصدر الخبر

جريدة التيار

تعليقات

  • رفع روحم المعنوية زغاريد و صفقة اين العمل بتجررد و وطنية و الفعل الحقيقي عيان بيان؟

  • لك التحيه استاذنا نقدر نقول لخصت كل الامراض النفسيه لكوادرنا السياسيه القدام والجدد معا ليتهم يفهمو

  • لك التحيه استاذنا نقدر نقول لخصت كل الامراض النفسيه لساتنا قدام والجديد معا ليتهم يفهمو