كتابات

حمّور زيادة يكتب طبول الحرب في الخرطوم

مصدر الخبر / العربي الجديد

يقول الشيخ بابكر بدري (1861 – 1954) في مذكّراته عن حال مدينة ام درمان، عاصمة الدولة المهدية في السودان عام 1899 مع اقتراب جيش كتشنر الغازي: “النفوس كانت تستعدّ للموت، وكانت الأخبار المروّعة تكاد تصم الآذان. فلا تطرُق مجلساً الا يسألك من به ما الخبر. فاذا خلقت لهم خبراً، اعتقدوه ونشروه رغم ترجيحهم – إن لم يكن تأكيدهم – أنك خلقته.

فمن ذلك إن وابورات الحكومة (بواخر الجيش الانكليزي المصري) كانت تمرّ على المتمة (مدينة بشمال السودان)، حينما كان الأمير محمود بها بجيشه، بعد أن قتل أهلها، وكنتُ جالساً مع بعض أصدقائي الذين دعوتهم للغداء معي، فخرجتُ منهم لأنظر استعداد الطعام، فلما رجعتُ سألوني هل جاء خبر؟ ولم يكن بين قيامي منهم ورجوعي إليهم إلا بضع دقائق، ولم أتعدّ سور المنزل”.

تبدو الخرطوم اليوم، في مارس/ آذار 2023 في حال قريب لذلك الذي عاشته أم درمان قبل 134 سنة، فالناس تتبادل أخبار التجييش العسكري، وتصاعد النزاع بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، ويتوقعون انفجار الحرب في أي لحظة. وكما كان الأجداد في 1889 يتلقّفون أي خبر، ولو كان مختلقاً، فالأحفاد يفعلون ذلك اليوم. وتعيش المدينة ويدها على قلبها. لا تعرف ماذا يحدث غداً.

منذ أكثر من عام، بدأت أخبار الخلاف بين قائد الجيش رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان ونائبه قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو حميدتي. لكنهما ظلا ينفيان هذه الأخبار، رغم كثرة شواهدها. حتى أن القائدين صرّحا في أحد الاحتفالات في يونيو/ حزيران 2021 أن الجيش والدعم السريع قوة واحدة لا يمكن أن تختلف. … لكن صراع السلطة كان أكبر من أن يمكن احتواؤه، وانفلت من وراء التطمينات الدبلوماسية ليخرج إلى العلن. وبدأ التراشق اللفظي بين القوتين المسلحتين. وصرّح الفريق أول البرهان في الشهر الماضي (فبراير/ شباط) بأن لا أحد يستطيع هزيمة الجيش. ثم أعاد التهديد في مارس/ آذار الحالي، حين أعلن امتلاك الجيش طائراتٍ مسيّرة تمكّنه من حسم أي “تهديد داخلي أو خارجي”. وبحسب “بي بي سي” “يرى محللون أن هذه الرسالة موجّهة إلى قائد الدعم السريع حميدتي”، فإلى حينه، لم يصرّح أحد الرجلين بالخصومة، إنما يكتفيان بإرسال الرسائل المغلفة.

تفجّر خلاف الحليفين بشكل ملحوظ عقب توقيع الاتفاق الإطاري مع قوى إعلان الحرية والتغيير. رغم أن جذوره تعود إلى أقدم من ذلك. منذ أعلن قائد الجيش، فجأة وبشكل منفرد، في يوليو/ تموز 2022، نية الجيش الخروج من السياسة. تزامن ذلك مع خروج الفريق أول حميدتي من الخرطوم وإقامته فترة طويلة في دارفور، الإقليم الذي جاء منه، وكوّن فيه قواته، وبدأت منه أسطورته. رغم هذه البداية، فإن المواقف اليوم تبدو مختلفة. فالفريق أول حميدتي يشدّد على وجوب خروج الجيش من العملية السياسية وتسليم السلطة للمدنيين. بينما يرهن الفريق أول البرهان ذلك بدمج قوات الدعم السريع أولاً في الجيش! ما يعني عملياَ القضاء على النفوذ العسكري للفريق أول حميدتي.

لا يمر أسبوع من دون خطاب جماهيري للفريق أول البرهان، ولا يمرّ يوم لا يتبادل فيه سكان الخرطوم الشائعات عن تحرّكات عسكرية، وعن دخول مزيد من قوات الدعم السريع إلى الخرطوم. ولا يعلم أحد بدقة ما الحقيقة وما الشائعة. لكن الناس يؤمنون بأن شيئا ما سيحدُث. بشكل ما، الخرطوم في انتظار طلقة الرصاص الأولى. إلى درجة ان احتفالاً بالالعاب النارية في مساء 27 الشهر الماضي (فبراير/ شباط) جعل المدينة ترتجف، وظنّ الناس أن الساعة التي يعلمون أنها آتية قد وقعت.

يسمع الجميع طبول الحرب تُقرع، إلا أن الجيش لا يعترف بذلك، ولا قوات الدعم السريع. لكن الناس تسأل بعضها عن الأخبار في كل لحظة، حتى لو كان المسؤول لم يتعدّ سور المنزل. يسألون، وينتظرون الواقعة.

 

 

حمّور زيادة

كاتب وروائي سوداني

عن مصدر الخبر

العربي الجديد