الخرطوم ـ «القدس العربي»: رغم تباين المواقف بين مكونات شرق السودان السياسية والاجتماعية، تمكنت الآلية الثلاثية المكونة من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وإيقاد، من جمعهم على مدى 4 أيام بالعاصمة الخرطوم، في ورشة (خريطة طريق الاستقرار السياسي والأمني والتنمية المستدامة في شرق السودان) للنقاش والخروج بحلول للأزمة التي تعصف بالإقليم الاستراتيجي والذي تطل بعض أجزائه على البحر الأحمر، بينما يجاور 4 دول .
يرى بعض المشاركين، أن الورشة، كانت خطوة كبيرة في اتجاه إيجاد حل للأزمة التي تفاقمت في السنوات الأربع الأخيرة.
وقال القيادي في القوى المدنية في شرق السودان، والي كسلا السابق صالح عمار، لـ«القدس العربي» إن ورشة الشرق واحدة من مقررات الاتفاق الإطاري والقضايا الخمس، التي نص على التداول حولها في المرحلة النهائية من العملية السياسية الجارية في البلاد. والتي تتضمن بالإضافة إلى وضع خريطة طريق لاستقرار شرق السودان، قضايا العدالة والعدالة الانتقالية والإصلاح العسكري، تقييم اتفاق السلام الموقع في 2020 وتفكيك النظام السابق.
واعتبر الورشة، أكبر تجمع لأهل شرق السودان خلال السنوات الماضية، وأنه أول وأكبر تجمع تشارك فيه كل الكيانات السياسية والاجتماعية والمدنية، بتمثيل يتناسب مع أحجامهم.
ورأى أن الورشة تنعقد في ظروف أفضل، وأنها من الممكن أن تقود نحو الحل، مبرراً ذلك، كون المكون العسكري كان جزءاً من أزمة الشرق والآن يبدو أن مواقفه بدأت تتجه نحو القبول بالوضع الجديد والسلطة المدنية. وقال «لذلك نؤمل أن يرفع يده من دعم المجموعات المحتجة، إذا حدث هذا الأمر، فإنه يجعل الإقليم يمضي نحو الاستقرار».
وحسب عمار، فإن أهل الإقليم اتضح لهم، بأن الخطاب الشعبوي والقبلي والعنصري الذي كان يساق في فترة السنوات الثلاث الماضية، قنبلة دخانية ليس إلا، للتغطية على الديكتاتورية والانقلاب ونهب موارد الإقليم، والآن كل القوى في الإقليم باتت على قناعة بأنها في حاجة إلى سلام واستقرار. مضيفاً: «أيضاً هناك قناعة بأن وضع الإقليم الاقتصادي سيئ جدا. الجوع والبطالة والفساد. لا شيء يوقف هذا الوضع إلا الاتفاق بين كل المكونات في الإقليم». معتبرا أن هذا هو الطريق للحل.
وأبدى تفاؤله بأن يمضي الإقليم نحو وضع أفضل، مشيرا إلى إن كل هذا لا ينفي وجود تحديات كبرى في شرق السودان، لكن مع ذلك ما تزال هناك مؤشرات إيجابية وأن الورشة واحدة من تلك المؤشرات الإيجابية.
وتابع: بالنسبة لمجموعة الناظر محمد الأمين ترك، فقد ظلت طيلة ثلاث سنوات، عنصراً لزعزعة استقرار وأمن شرق السودان وفي كل البلاد.
واتهم ترك، بأنه يحمل أجندة لا تمت للإقليم بصلة وأنه فقط حريص على استمرار حالة الصراع، وبالتالي أي محاولة للوصول لتفاهمات معه أصبحت بمثابة مطاردة للسراب، وأن مطاردة السراب لا يمكن أن تستمر في ظل وضع مزر يعيشه إنسان إقليم شرق السودان في الوقت الراهن.
وحذر من أن الوضع المعيشي في شرق السودان يكاد يصل مرحلة المجاعة خاصة في الأرياف، ولا يمكن الانتظار إلى ما لا نهاية ولا يمكن لأهل الإقليم أن ينتظروا تحقيق أجندة لا تمت بصلة إلى الإقليم.
وقال عمار: «الآن أهل الإقليم متحدين بكل قبائلهم بمن فيهم الهدندوة بتمثيل واسع في الورشة وأعضاؤها وأفرادها موجودين في كل المنابر وهم شركاء أصيلين في العملية السياسية الجارية الآن بتنظيماتهم وأشخاصهم ولا يمكن لترك أن يدعي أنه يتحدث باسم القبيلة».
في المقابل، يعتقد ترك أن الورشة تمت بتنظيم من أطراف غير سودانية ووصفها بـ«الاستعمارية» في إشارة إلى الآلية الثلاثية، التي تقوم بتيسير العملية السياسية في البلاد، كما لوح بإغلاق الطرق والموانئ في شرق السودان، إذا تشكلت حكومة لا تتسق مع مطالبهم التي من أبرزها تأسيس منبر منفصل لشرق السودان وإلغاء المسار الخاص بالإقليم في اتفاق السلام.
وعلى الرغم من ذلك، أكد ترك في تصريح لـ«القدس العربي» أنهم لا ينوون إغلاق الطرق في شرق السودان في الوقت الحالي.
وفي 3 تشرين الأول/اكتوبر 2020 وقعت الحكومة الانتقالية اتفاق سلام مع مكونات الجبهة الثورية- حركات مسلحة وتنظيمات معارضة- تضمن مسارات متعددة، قسمت وفق أقاليم السودان، بما فيها مسار شرق السودان، والذي وقعته مع الحكومة أحزاب من الإقليم، من ضمن مكونات الجبهة الثورية. الأمر الذي أثار حفيظة مكونات إثنية وسياسية أخرى، بينها المجلس الأعلى لنظارات البجا، الذي يتزعمه ترك، اعتبرت أن الموقعين لا يمثلون شرق السودان.
ومع ذلك، يرى ممثلون لمجموعات أخرى، أن الورشة تمثل خطوة للأمام، لحل أزمة الشرق. حيث قال ناظر قبائل الجميلاب بولاية كسلا والبحر الأحمر، محمد طاهر محمد حسين، لـ«القدس العربي» إنه انخرط ضمن مشاركة واسعة للقادة الأهليين في الورشة، مشيرا إلى أنهم تداولوا في قضايا شرق السودان، منذ الاستقلال وحتى الآن.
وأضاف: هناك اجتهادات معتبرة من الذين شاركوا في المجالات الستة التي تضمنت الحكم والثروة والتنمية والزراعة والإدارة الأهلية وقضايا المرأة، كلها قتلت بحثاً، هي خطوة نحو الأمام، لم نصل لمبتغانا لكن هي خطوة جيدة جداً.
وأضاف: يمكن في المؤتمر الجامع القادم أن نضع النقاط على الحروف ونضع أطرا معينة وزمنية للوصول إلى حلول نهائية تزيل كل قضايانا التي نحن في حاجة إليها.
ورأى أنه بالنسبة لغير المشاركين سيكون المؤتمر الجامع هو المحك، على الأقل وضعنا خطة عمل يمكن طرحها بإجماع الحاضرين في الملتقى والذي سيتم خلاله التداول حول قضايا المسار والقضايا الأخرى.
وتابع: المجموعات الممانعة ستنضم لأن الحاضرين ليس كلهم من الذين آمنوا أو وقعوا على الاتفاق الإطاري، وإنما 30 في المئة من الذين حضروا هم الموقعون، أما البقية لم يوقعوا على الاتفاق الإطاري لكن هموم الشرق وقضيته هي التي أتت بهم.
وأكد أن ولايات الشرق الثلاث (البحر الأحمر، كسلا، القضارف) شاركت بكثافة عالية جدا، بينما لم يتجاوز المشاركين من القوى السياسية من المركز 100 شخص مقابل أكثر من 500 شخص اتوا من مناطق الريف، داعيا الذين لم يشاركوا للحاق بهم والمشاركة في المرحلة المقبلة.
وأكمل: تم التأمين على مسار الشرق في اتفاق السلام وفي ذات الوقت هناك مطالب بمنبر تفاوضي منفصل، لذلك ارجئ الأمر، للملتقى الجامع الذي ستتولى الحكومة الانتقالية القادمة تنظيمه في مدى أقصاه 3 أشهر من تشكيلها.
وقال: الورشة خطوة للأمام وجمعت كل ألوان الطيف في الشرق المختلفين سياسيا ومن ناحية إثنية أو قبلية كانوا تحت قبة القاعة وهذا تقدم كبير. الذين كانوا لا يجلسون معا، الآن جلسوا على مستوى اللجان وعلى مستوى التداول العام.
من جانبه، قال رئيس مسار شرق السودان في اتفاق السلام، خالد جاويش، لـ«القدس العربي» إن 60 في المئة من المشاركين في الورشة، من خارج الاتفاق الإطاري وأكثرهم كانوا رافضين للمسار، مضيفا: كانت هناك نقاشات شفافة ولم يكن هناك تدخل من أي جهة، الجميع قالوا آرائهم بدون ضغوط، وكانت النتائج جيدة.
وأضاف: لم نقم بإثارة موضوع مسار الشرق لأن هناك داعمين ورافضين في الورشة، قرابة الخمسمئة شخص شاركوا من أنحاء الإقليم من كل المكونات، مع المسار وضد المسار ومن القوى السياسية.
وتابع: تركنا الحرية لأي شخص داخل الورشة لإبداء رأيه، وفي النهاية نص البيان الختامي على تنظيم ملتقى لأهل الشرق، يجمع كل الناس وأعتقد انه حل وسطي للجميع.
وأشار إلى أن الملتقى سيكون بشكل كامل لأهل الشرق يناقش القضايا التي لم يناقشها المسار، ويدفع ربما من أجل زيادة نسب الشرق في الثروة والسلطة لأن المسار حصل على نسبة 30 في المئة منها لثماني سنوات بالإضافة إلى 40 في المئة من الخدمة المدنية في الإقليم، مبديا طموحهم لأن تزيد تلك النسب عبر الملتقى وان يضيف المزيد لمكاسب الإقليم.
وأكمل «نتمنى ألا يعيق شيء التحول الديمقراطي والانتقال وندعوا جميع الذين لم يشاركوا للحضور لمصلحة الإقليم، الأهم أن تجتمع كلمتنا لصالح الإقليم وإنسانه».
وزاد «ليس لدينا مانع في فتح اتفاق مسار شرق السودان لمشاركة الآخرين، المادة 34 من الاتفاق نصت على قيام مؤتمر تشاوري مكمل للاتفاق، الممانعون لو اطلعوا على الاتفاق لن يكون هناك أي رفض من جانبهم لأنه مكسب للإقليم، كلمتي للرافضين أن يقرأوا الاتفاق وينظروا إلى أي مدى هو مكسب للإقليم».
الأمين السياسي لحزب التواصل، من الاحزاب الناشطة في شرق السودان- صالح أحمد، قال لـ«القدس العربي» إن الورشة تعتبر خطوة متقدمة من أجل تقديم الحلول للأوضاع في شرق السودان، مشيرا إلى أنها جاءت في وقتها المناسب وحظيت بمشاركة واسعة وجمعت لأول مرة أطرافا متباينة المواقف في مكان واحد مؤكدا أن تنفيذ توصياتها قد يقود إلى استقرار الإقليم.
وقطع بأن تنفيذ توصيات الورشة يتوقف على الإرادة السياسية وإنسان الشرق نفسه ومدى استعداده لذلك، مضيفا: ليس هناك أي صراعات بين مكونات الشرق أو خلافات لأسباب جوهرية لكن هناك مجموعات دعمها النظام أو جهات معينة من أجل تنفيذ أجندة معينة، واستخدمت شرق السودان لخدمة تلك الأجندة.
وأشار إلى أن هذه الضغوط في ظل دعم المجموعات أو النظام أو جهة معينة أثرت على الأوضاع في شرق السودان.
وبين أن مكونات الشرق المختلفة تجمعت في الورشة للتداول حول قضاياها بنفسها وأن ذلك بداية وخطوة صحيحة، مضيفا: «نحن متفائلون، كان هناك خوف من عدم نجاح الورشة ولكن النتائج كانت جيدة واستطعنا التداول حول جميع القضايا» مؤكدا أن مواطني شرق السودان داعمين للتحول المدني الديمقراطي في البلاد وأن الغالب الأعم مساند للاتفاق الإطاري.
واعتبر حزب التحالف الوطني السوداني- هيئة كسلا- في بيان، الورشة اختراقا هاما للمشهد السياسي المعقد في الإقليم الذي تسبب في تأزيمه الانقلاب العسكري، متهما إياه باستغلال الشرق قبل وبعد حدوثه.
في المقابل، أصدرت الورشة في ختام أعمالها توصيات مثلت خريطة طريق للحكومة المدنية الانتقالية المقبلة المقرر تشكيلها بعد التوقيع على الاتفاق النهائي، بوضع ملامح الخطط الإسعافية لاحتياجات إقليم شرق السودان، خاصة القضايا ذات الأولوية في مجالات الأمن والتعليم والخدمات الأساسية والمصالحات الاجتماعية.
وأوصت الورشة بضرورة عقد ملتقى جامع لأبناء الإقليم لا يستثني أي جهة وصولا لحل نهائي ومقبول لكل قضايا الإقليم السياسية والتنموية والاجتماعية، على أن تكون تجربة الورشة الأخيرة سانحة لتطوير التجارب المستقبلية خاصة عند انعقاد الملتقى الجامع لشرق السودان خلال 3 أشهر كحد أقصى من تشكيل الحكومة الانتقالية.
ووفق بيان الورشة الختامي، فإن الورشة، التي اختتمت أعمالها الأسبوع الماضي بحثت فرص الوصول إلى توافق واسع بين مختلف كيانات وتنظيمات شرق السودان حول الأزمات التي يواجهها الإقليم، وذلك ضمن عملية الوصول إلى اتفاق سياسي نهائي وعادل، وترتيبات دستورية جديدة تلبي طموحات ومطالب إنسان الشرق في المواطنة المتساوية وفي الحكم المدني الديمقراطي الكامل.