السودان الان السودان عاجل

جريدة لندنية :هل ينجح الاتفاق السياسي النهائي في تحسين حالة حقوق الإنسان في السودان؟

مصدر الخبر / صحيفة القدس العربي

الخرطوم ـ «القدس العربي»: يعيش السودان حالة مستمرة من انتهاكات حقوق الإنسان، تصاعدت في أعقاب انقلاب 25 تشرين الأول/اكتوبر 2021 وهو الأمر الذي اضطر الأمم المتحدة لتعيين مقرر خاص معني بالسودان، مرة أخرى بعدما تم إنهاء تفويضه عقب إطاحة النظام السابق في عام 2019 لجهة تحسن حالة حقوق الإنسان في البلاد بعد الثورة.

وبعد وصول القوى المدنية والجيش لاتفاق إطاري سياسي نهاية العام الماضي استناداً على مقترح دستور المحامين والإعلان السياسي، والذي من المنتظر أن يسفر عن توقيع اتفاق نهائي في غضون الأسابيع المقبلة، يتيح الفرصة لتشكيل حكومة بقيادة مدنية تسيطر على الأجهزة الأمنية، وتعمل على إصلاح الأجهزة العدلية.
ويعول فاعلون سياسيون على تحسن ملف حقوق الإنسان بعد تولي حكومة انتقالية بقيادة مدنية.
وقال القيادي في الحرية والتغيير شهاب الدين الطيب لـ«القدس العربي» إن الإعلان الدستوري الذي تأسست عليه العملية السياسية اهتم بشكل أساسي بالحريات وحقوق الإنسان وخصص لها وثيقة خاصة.
وأشار إلى أن المحك الرئيسي، يتمثل في مواءمة القوانين الوطنية مع الدساتير التي في معظمها تنص على حماية حقوق الإنسان للاستجابة لمتطلبات وثيقة الحقوق التي نصت عليها الوثيقة الدستورية.
وأضاف: من المنتظر أن يمثل الوصول إلى اتفاق نهائي، خطوة هامة في طريق مواءمة القوانين مع الدساتير وتحسين أوضاع حقوق الإنسان، مشيرا إلى أنه بصدد مراجعة القوانين التي لا تتوافق مع نصوص الوثيقة الدستورية التي ستحكم الفترة المقبلة.

تدهور حقوق الإنسان

فيما قالت الناشطة في المجتمع المدني منال عبد الحليم لـ«القدس العربي» إن أوضاع الحريات وحقوق الإنسان خلال الفترة الانتقالية، شهدت بعض التقدم ولكن ليس بالمستوى المطلوب، مشيرة إلى أن الثورة السودانية انتزعت مساحات واسعة للحريات، سرعان ما قوضها الانقلاب العسكري وشهدنا تدهورا مريعا في حقوق الإنسان وتضييقا كبيرا على الناشطين في المجتمع المدني.
وأشارت إلى أن العاملين في المجتمع المدني يعانون من التضييق من مؤسسات الدولة والمفوضيات المعنية بالتعامل مع المجتمع المدني، وأنها باتت محل استحواذ من قطاعات من الحركات المسلحة، وأذرعها، لافتة إلى أن مظاهر العسكرة أعاقت وقيدت بشكل كبير الحريات، وأن النساء كن الأكثر تضررا في الصدد، في ظل الأزمات الأمنية والاقتصادية والسياسية التي ضربت البلاد.
وأضافت: حقوق السودانيين في الحياة، والحركة، والتعبير، انتهكت جميعها، في وقت تصاعد خطاب الكراهية الذي تسبب في صراعات قبلية تسببت في مقتل المئات، الأمر الذي لم تكن السلطات العسكرية بمعزل منه.
ولفتت إلى أن الاتفاق الإطاري هو بالأساس اتفاق مع قادة الانقلاب، مشيرة إلى أن الأطراف المدنية مهما حدث لن تستطيع إصلاح أو تفكيك نفوذ المؤسسة العسكرية عبر هذا الاتفاق، ما يعني أن الفترة المقبلة حتى لو تم تشكيل حكومة مدنية، ستظل تحت سيطرة العسكر وهذا يعني استمرار الانتهاكات وتقييد الحريات والتي ربما تشهد المزيد من التدهور، في ظل الجيوش المتعددة ذات المصالح المتباينة التي ربما يؤسس الاتفاق النهائي المنتظر شراكة جديدة فيما بينها.
وتابعت: يبدو أنه من المستبعد أن نشهد تحسناً في أوضاع حقوق الإنسان طالما لم يتم تفكيك تلك الميليشيات والتأسيس لحكم مدني حقيقي.

السودان عند مفترق طرق حاسم

وكأنما يؤكد الخبير المعني بأوضاع حقوق السودان حديث منال حليم، حينما قال «يقف السودان عند مفترق طرق حاسم وهناك حاجة ماسة إلى مرحلة انتقالية جديدة لمواصلة العملية التي توقفت بسبب الاستيلاء العسكري على السلطة في تشرين الأول/أكتوبر 2021 لتحقيق مطالب الشعب بالحرية والسلام والعدالة.
ودعا خبير الأمم المتحدة المعني بأوضاع حقوق الإنسان في السودان، رضوان نويصر، في تقريره الأخير، الأطراف السودانية للوصول إلى اتفاق نهائي وتشكيل حكومة مدنية تحقق التزامات حقوق الإنسان.
وكان نويصر، اختتم زيارته الأولى للبلاد، نهاية الأسبوع الماضي والتي التقى خلالها ضحايا الانتهاكات والناشطين الحقوقيين، بالإضافة إلى عدد من الأطراف المدنية والسلطات العسكرية في البلاد.
وحث الخبير الأممي الأطراف السودانية للوصول إلى اتفاق نهائي، يحقق التزامات حقوق الإنسان الهامة التي وردت في الاتفاق الإطاري، الذي تم توقيعه بين القوى السياسية المدنية والمكون العسكري في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي.
وقال نويصر، إن رسالة الضحايا وممثلي المجتمع المدني، كانت واضحة، حيث أكدت على أهمية محاسبة جميع المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات التي ارتكبت خلال النزاعات في السودان وفقاً للإجراءات القانونية وبدون تأخير غير مبرر، موضحاً بأنه أوصل هذه الرسالة للسلطات.
ونوه إلى أن قضايا المحاسبة والعدالة الانتقالية تتطلب آليات عملية ذات مصداقية تتصدى للجرائم الماضية وأسبابها الجذرية، وتوفير بُنية تحتية قانونية تمنع تكرارها.
وذكر الخبير الأممي بالثورة السودانية، وقال «قبل أربع سنوات، عندما خرج السودانيات والسودانيون شيباً وشباباً إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم الأساسية على أمل الحصول على مستقبل عادل وأكثر أماناً، كان العالم يشاهد داعماً».
وأوضح نويصر الذي تم تعيينه كخبير معني بشأن حالة حقوق الإنسان في السودان في نهاية العام الماضي خلفاً لأداما دينغ، أنه خلال زيارته إلى السودان، التقى بالسلطات والمجتمع المدني وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، في ولايتي الخرطوم وغرب دارفور، فضلاً عن المجتمع الدبلوماسي ووكالات الأمم المتحدة.
ورحب المسؤول الأممي بالتزامات حقوق الإنسان الهامة التي وردت في الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه بين القوى السياسية المدنية والمكون العسكري في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، معرباً عن أمله في أن يتم وضع خريطة طريق قريباً لمعالجة كافة القضايا الخمس المُعلقة بمشاركة واسعة في حوار شامل من قبل الأطراف المعنية، حتى يتم التوقيع على الاتفاق النهائي وتشكيل حكومة مدنية. وشدد قائلاً: يجب أن يكون استئناف الإصلاحات القانونية والمؤسسية بمشاركة المواطنين السودانيين من أولويات الحكومة الجديدة. ويجب أن تكون حقوق الإنسان والمساءلة مواضيع محورية في برنامج الحكومة المقبلة.
وقال: لقد تبين لي حجم التحديات الكبيرة التي تواجه السودان خلال الاجتماعات المختلفة التي عقدتها. وقد التقيت في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، بأشخاص نزحوا مراراً وتكراراً نتيجة الهجمات المسلحة ضد مجتمعاتهم والتي، حسب فهمي، لم تتم محاسبة مرتكبيها.
وتابع: لقد نزح البعض منذ ما يقرب من 20 عاماً، لكنهم ما زالوا يأملون في أن يتمكنوا يوماً ما من العودة الآمنة إلى ديارهم وأراضيهم. ولكي يتحقق ذلك فهم بحاجة إلى الأمن والالتزام السياسي بحل الأسباب الكامنة وراء الصراع. وقد كان من الممكن أن يساعد تنفيذ اتفاقية جوبا للسلام وخطة العمل الوطنية لحماية المدنيين في حل بعض هذه القضايا.
ورأى الخبير الأممي، أن العجز عن اتخاذ إجراءات لحماية سكان دارفور سيؤدي إلى مزيد من النزاع وارتفاع عدد الأشخاص الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية في أرض غنية بالموارد الطبيعية.
وتابع: خلال لقاءاتي مع مجموعة واسعة من ممثلي المجتمع المدني، بمن فيهم النساء والشباب، شعرت بأن هناك انعداما للثقة في الطريقة التي تسير بها الأمور، أي عدم اليقين بشأن المستقبل.

تضييق مساحة المجتمع المدني

أفاد الناشطون، حسب الخبير الأممي، بوجود قيود متزايدة على أنشطتهم، بما في ذلك زيادة البيروقراطية، ورفض تسجيل المنظمات غير الحكومية والتدقيق في تمويلها، حيث تم إغلاق المساحة التي فُتحت للمجتمع المدني خلال الفترة الانتقالية.
وأكد أن وجود مجتمع مدني قوي ومتنوع أمر محوري للديمقراطية، واتخاذ خطوات جادة نحو بناء الثقة بين المواطنين السودانيين والمؤسسات التي تحكمهم أمر أساسي لنجاح أي عملية سياسية. فبدون استقرار على الصعيد السياسي، لن تكون البيئة مواتية لأي تحسن في حالة حقوق الإنسان. وقال: في اجتماعاتي مع السلطات أثرت العديد من القضايا؛ بينها التصدي على وجه السرعة لمساءلة ومحاسبة القوات الأمنية أمام الشعب في إطار الرقابة المدنية الديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، على أن يشمل ذلك خريطة طريق واضحة لإصلاح القطاع الأمني.
وأضاف: حسب التوثيق الذي قامت به المفوضية السامية لحقوق الإنسان شملت الانتهاكات – منذ الاستيلاء العسكري على السلطة- الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين، والاعتقال والاحتجاز التعسفي للمعارضين السياسيين ونشطاء المجتمع المدني، والتعذيب وسوء المعاملة، والاعتداء على المستشفيات.

صمت الأجهزة القانونية

وبين السياسة والواقع، ما تزال المئات من عائلات الضحايا في البلاد، سواء كان قتلاً أو تعذيباً أو اعتقالاً غير مشروع في انتظار نيل حقوقهم ومحاسبة المتسببين في تلك الجرائم. إذ تشير حصيلة قتلى التظاهرات منذ الانقلاب إلى نحو 123 ضحية، أعلنت لجنة الأطباء السودانيين وفاة آخرهم مهند بابكر 20 عاما- مساء الجمعة متأثرا بإصابته برصاصة في الرأس في تظاهرات 17 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بالإضافة إلى آلاف الجرحى والمصابين، وحالات اغتصاب عديدة ضد النساء، والهجوم على دور الإعلام والمستشفيات.
كما سقط نحو 900 قتيل في الصراعات ذات الطابع القبلي التي تصاعدت في مناطق عديدة في أعقاب سيطرة العسكر على السلطة، خاصة في إقليمي دارفور والنيل الأزرق. يأتي ذلك في ظل إعادة العديد من القيود وعسكرة الحياة التي تعج بالميليشيات المسلحة، بينما يتواصل صمت الأجهزة العدلية والقانونية.

 

عن مصدر الخبر

صحيفة القدس العربي