كتابات

عثمان ميرغني يكتب (…. تحت جزمتي)..!!

مصدر الخبر / جريدة التيار

هل تذكرون.. لما كان الرئيس المخلوع يقف في المنابر الجماهيرية وبمنتهى التلذذ ينطق بأسماء الدول الكبرى وأسماء رؤسائها ثم يقول بعد كل اسم (… تحت جزمتي)..

دعكم من قوله وفعله وانظروا في الاتجاه الآخر نحو الجمهور، هل تذكرون رد الفعل؟ كانت الجماهير تنتشي وتهتف وتفرح وتحس أنها أفرغت شحنة غضب غير معلوم النسب والسبب.. وكان الرئيس المخلوع يدرك أن مزماره يطرب الشعب.. فيبالغ في فرك حذائه بالأرض عند النطق بأسماء رؤساء الدول الأخرى..

الأمر لا يتوقف عند البشير، الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري عندما وقف في استاد الخرطوم وبدأ يتلو قائمة الشركات والأعمال المصادرة من سودانيين وآخرين.. كانت الجماهير تهتف لدرجة شق الحناجر بعد كل اسم ينطق به.. رغم أن الغالبية العظمى من الجمهور لا يعرف غالبية الأسماء المصادرة فضلاً عن الجريمة التي ارتكبوها فاستدعت المصادرة.. ما يهمهم هو المصادرة .. والحيثيات ليست مهمة.

في قريتنا الوادعة في تلك الأيام زارها وفد وزاري واحتشد له الناس كالعادة، فصعد أحد الساسة وصفق له الجمهور كثيراً وهو يطالب باستمرار المصادرات و حدد أسماء شخصيات في قريتنا واقترح مصادرة بيت أحدهم وتحويله إلى مستشفى.. ليس لأن صاحب المنزل سرق مال الدولة فهو لا يعمل أصلاً في الحكومة وليس له بها علاقة بل يدير أعماله الخاصة في مزرعة تخصه.. كل الذي يؤهله للمصادرة أن بيته كان أجمل بيوت القرية.. فقط لا غير.. رغم كونه لا يختلف عنها كثيراً..لا طولاً ولا عرضاً ولا رفاهية..

عندما كانت لجنة إزالة التمكين تذيع قوائم المصادرات أو الفصل من الخدمة، غالبية الشعب ربما لا يعرف كثيراً من الأسماء التي تذكر و ربما لم يعرف أحد بأسماء المفصولين.. ومع ذلك كانت لمؤتمرات اللجنة شعبية كاسحة بل ينتظرها الناس بفارغ الصبر ويساهرون ولا يملوها مهما طالت ساعات بثها..

عندما يقرأ الناس أو يسمعون بالقبض على رجل أعمال، قد لا يعرفون التهمة ولا تفاصيل القضية.. ومع ذلك تسري حالة فرح مكشوف أو مستتر لأن هناك رجل أعمال في مشكلة..

وعندما تجد الحكومة – أية حكومة في عهد النظام البائد أو بعد الثورة- نفسها مضطرة لزيادة أسعار الوقود مثلاً.. أفضل ما يمكن استخدامه للوقاية من الارتدادات الجماهيرية أن تكرر لهم حكاية ” سيد البرادو” الذي يقود سيارته من الثورة ليشرب الشاي مع صديقه في الكلاكلة..

تهدأ ثائرة الشعب مهما كان فقيراً عندما يعلم أن زيادة الأسعار قصد منها إيذاء الأثرياء أيضاً.. رغم كونه أقل قدرة على تحمل الإيذاء من الأثرياء..

نحتاج لتفسير علمي دقيق، لماذا نفرح عندما تعتسف الحكومة حقوق الآخرين الأكثر منا حظاً؟

لماذا، نفرح عندما نسمع إساءة موجهة الى دولة أخرى؟ هل تحقق لنا راحة نفسية كوننا ننتقم من تقدم الدول الأخرى وتفوقهم علينا..

لماذا يرغب السودانيون وبشدة الهجرة والعمل في الخارج، ولكنهم يتوترون إذا شاهدوا أجنبياً واحداً في طائرة قادمة نحو الخرطوم؟

هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابة من مختصين ..

 

عن مصدر الخبر

جريدة التيار

تعليقات

  • السياسي لم يأتي من السماء فهو يحمل نفس الجينات الوراثية في الحسد مثل جميع أفراد الشعب.

  • الحسد والفشل هو سبب تأخر السودان رغم ما حياه الله به من نعم وموارد هاىله،، أعداء النجاح للأسف في السودان كثر فهم يظلون ضد الناجح حتى يفشل ليرتاحون نفسيا،، كلامك سليم للأسف

  • اقرا كتاب سيكولوجية الجماهير للعالم الفرنسي جوستاف لوبون .يري الكاتب أن عملية تحريك الجماهير هى عملية علم نفس الجماهير و هو جزء من علم الاجتماع.يري لوبون ان الفرد في داخل الحراك الجماهيري تتحكم فيه العواطف والأحاسيس وان الجماهير غبية يمكن القائد الذكى يحركها كما يشاء.وان ما يفعله الفرد داخل الجماهير لأ يمكن له أن يفعله و هو فرد.

    • بهذا يكون للسياسيين والنخب دور رئيسي في تخدير الجماهير واللعب بعواطفها وتمثيل دور البطولة لها مع ان هذه التصرفات السخيفة تدل علي عجز وجهل كبير حتي وان كانت من الرئيس نفسه … كتب : كلايد فارنزوورث.. في سنة 1951
      ترجمة: د. فيصل عبدالرحمن علي طه

      (ويبدي السياسيون السودانيون براعة في انتقاد بريطانيا ومصر وفي التصارع فيما بينهم. إلا أنهم ضعاف في جانب التخطيط والتعاون. وأما إجراءاتهم الملموسة فهي بالكاد تزيد عن مجرد إطلاق الأسماء على أنفسهم وصياغة الشعارات)