السودان الان

ظاهرة الغيرة المهنية  (الحَفِر).. حرب (الأخوة الأعداء)

مصدر الخبر / صحيفة الانتباهة

تحقيق: خديجة الرحيمة

انتشرت أخيراً وبشكل مخيف ظاهرة الغيرة المهنية، فتجد ان من يفعل ذلك أقرب الاقربين إليك، فأصبحنا لا نعلم الصالح من الطالح، كما انتشرت ظاهر تسمى (الحفر) وهي دخيلة على مجتمعنا، الأمر الذي يزداد تعقيداً يوماً بعد آخر، ولا نعلم ما هي الأسباب وأسئلة كثيرة تفرض نفسها، فهل أصبح السودان موطناً للحقد والحسد ومحاولة تدمير الآخرين، وهل اصبحت بلادنا أرضاً لصراع أبناء المهنة الواحدة من أجل المصالح الشخصية والمطامع المالية؟ وهذا للأسف ما تنبع عنه حالات الصراعات المهنية وظاهرة الصراع داخل الاسرة الواحدة، حتى وصلت إلى الأكاديميين والباحثين، ولم ينج منها حتى أئمة المساجد والدعاة، في ظاهرة خطيرة وغريبة على مجتمعنا السوداني المتصالح والمتسامح، وهي ظاهرة يرى علماء النفس انها تؤشر الى وجود خلل في الشخصية السودانية، بينما يذهب علماء النفس الى ان الامر ينبع من التربية الخاطئة وعدم الشعور بالرضاء النفسي والاجتماعي، ولكن جرمها بالإجماع علماء الدين ورأوا انها تنتقص من إيمانية الشخص وتجعله آثماً وعرضةً للعقاب في الدنيا والآخرة، وهذا ما سنعرضه بالتفصيل، كما سنعرض أمثلة صادمة تقشعر لها الأبدان في ثنايا هذا التحقيق.
غضب ورفض
لم يدر في خلدي وانا أصطحب إحدى قريباتي لعيادة احد الأطباء الباطنيين إثر شكاوى تعددت لديها، أنني اول من يكتوي بنار الغيرة المهنية، وذلك عندما قام الطبيب بسؤال قريبتي عن الأدوية التي استخدمتها سابقاً وعن اية فحوصات قامت بإجرائها قبل الحضور اليه، وما ان أخطرته بأنها قابلت الطبيب (م. س) الا ورأيت الشرر يتطاير من عينيه، وبعدها قال لها: (الدكتور العواليق ده الوداك ليهو شنو؟) ورفض إكمال الفحوصات لها، وبعد أن ترجيته قبل بذلك واعطاها أدوية. ولكننا خرجنا ونحن نشعر بالحسرة على الطب في البلاد، لدرجة وصف الأطباء لبعضهم بهذه الأوصاف في حضور المرضى والمرافقين، ولكنها كانت أولى الدلائل على ما أشرنا اليه في مقدمة هذا التحقيق بأن نار الغيرة المهنية أصبحت منتشرة.
تحطيم وتدمير
كما سرد لنا الميكانيكي الشهير بكري انه قد تعرض إلى موقف خطير في ما يخص الغيرة المهنية، وذلك عقب افتتاح محله بالمنطقة الصناعية، حيث توافد عليه الزبائن من كل مكان مما اوقر صدر زميله عليه في المحل المقابل، وقام بتهديده اكثر من مرة بأنه سيقطع عيشه، ومضى بكري قائلاً انه لم يلتفت لهذا القول قبل ان يخبره احد الأشخاص بأنه رأى ذلك الميكانيكي الزميل في احدى الليالي وهو يتجول داخل إحدى المقابر ويحمل في يديه (جربوكس)، وفي الصباح استعان بكرى بأحد الشيوخ وذهبا ليجدا ان هذا الزميل قد قام بدفن (الجربوكس) وبه خيط ولفافة قماشية خاصة بالتدمير والتحطيم وما شابه ذلك، حيث قام بإخراجه، وانتقل إلى مكان آخر خوفاً على نفسه وأسرته، كما قال لنا: (الظروف ما معروفة والأقدار ما في يد زول).
سرقة فكرية
وفي ذات السياق ذكر لنا الاستاذ الجامعي محمد سليمان الذي يعمل في مجال البحوث، انه قام بعمل دراسة خاصة بتنمية المجتمع وبذل فيها جهداً مقدراً ونال إشادة من كل من اطلع عليها من الزملاء، الا أن رئيسه المباشر في العمل ما ان اطلع على تلك الأطروحة حتى قال له: (ده كلام فارغ)، وفوجئ الدكتور محمد بأن رئيسه قد قام بعمل دراسة مشابهة أخذ منها كثيراً مما قدمه له سابقاً ونال بها جوائز وترقيات في الجامعة، ولم يكتف بذلك بل قام بعمل تقرير سيئ عنه بغرض تعطيل ترقيته، وقام بعمل دعاية ضده بأنه يقوم بسرقة البحوث وتلفيق المعلومات من أجل الانتقاص من هيبته ومكانته الأكاديمية، وقد أدى ذلك إلى مشكلات عميقة في العمل على نطاق الطلاب، كما ذكر أنه وصل لدرجة طلب النقل إلى جامعة ولائية أخرى حتى يكون بعيداً من هذه الجامعة، على حد قوله.
تصفية حسابات مهنية
ولا تخفى على أحد الغيرة في المجال الإعلامي خاصة بين المذيعات، فتجد ان كل واحدة تريد الظهور اكثر من زميلتها، واشتكى عدد منهن من ذلك الأمر، كما لم يتوقع احد ان تصل نار الغيرة إلى هذه الدرجة، وبعضهن يحاولن اغتيال شخصيات بعض. ووصفت الإعلامية (ن. م) الغيرة في الوسط الإعلامي بالخيالية والكبيرة، وأضافت قائلة: (الكثير منا يحاول تدمير الآخر بطريقة مختلفة)، وتأكيداً لذلك اعتبرت إعلامية معروفة ان اللجوء لدبلجة صور خليعة لها لم يهز عزيمتها ويثنها عن معاركها وملاحقاتها الإعلامية لكل ما يعبر عن قناعاتها الشخصية والمهنية.
ونقلت الإعلامية المعروفة ان شخصاً بعينه قام بالتعرض لسمعتها بدبلجة وتركيب صورة خليعة واباحية لها، مضيفة ان اخلاقها وضميرها يبعدانها عن هذه المسالك الوضيعة، وانها تخوض معاركها بشرف مهني دون الركون لهذه المدارك الرخيصة.
وأبدت الاعلامية استغرابها من المنحدر الذي انجذبت اليه تصفية الحسابات المهنية والشخصية، مؤكدة عدم اهتمامها بما نشر وثقة اسرتها والمحيطين بها دون تأثر بما يتم تداوله للنيل من سمعتها.
مرض اجتماعي
وبشأن معرفة الجوانب المختلفة لهذه الظاهرة الخطيرة يقول استاذ الاجتماع حسن وهبي لـ (الانتباهة): (الغيرة المهنية تعتبر مرضاً اجتماعياً منتشراً في معظم المجتمعات، ولكنه تصاعد في الآونة الأخيرة في السودان نتيجة التنافس وانفتاح المجتمع والزيادة في معدلات التواصل عن طريق الوسائط، وتعبر الغيرة أيضاً عن عدم الشعور بالرضاء الاجتماعي والوظيفي وسوء التربية وعدم وجود منهج للتغلب على مشاعر الحسد تجاه الآخرين والغيرة المرضية التي تجعله غير متزن اجتماعياً)، ويضيف وهبي قائلاً: (وذلك يؤدي إلى نزاعات ومشاجرات وخلق بيئة عمل طاردة تؤثر في باقي الموظفين والزملاء وتنعكس سلباً على العملاء، مما يؤدي إلى الكيد الوظيفي ومحاولة اغتيال الشخصيات والنيل من الآخرين).
بلاد الحقد وأرض الحسد
وفي هذا الصدد ذكر استشاري الطب العصبي والنفسي علي بلدو ان السودان أصبح بلداً للحقد والحسد، من واقع تزايد نيران الغيرة المهنية ومحاولة القتل الأدبي والمعنوي لكل المبدعين، حيث أنه ما أن يلمع نجم شخص أو يكثر عطاؤه ويحبه الناس، إلا ويقوم الآخرون بمحاولة اغتيال شخصيته وإلصاق التهم به وتكسير مجاديفه وعمل حرب نفسية تجاهه، بصورة لافتة في كل الأوساط دون استثناء، من واقع ما ذكره بلدو بأن التنافس موجود حتى بين الأئمة والدعاة، ويمضي بعيداً في هذا الأمر ليضيف أن الغيرة المهنية اصبحت مرضاً نفسياً متكامل الأركان ويحتاج إلى أطباء للتعامل معه، بعد أن اصاب الكثيرين خاصة المتعلمين، حيث اصبحت جامعاتنا ومستشفياتنا وقاعات درسنا ميادين لصراع أبناء المهنة الواحدة، وعمل مجموعات وقروبات اسفيرية همها الأول النيل من الناجحين والمتميزين، ومحاولة النيل منهم والتشهير بهم كتعبير عن انواع القلق والتوتر النفسي الذي يصيب هذه الفئة، بحسب تعبيره. ووصف بلدو هذه الفئة بالمرضى النفسانيين، حيث أن كل من يعاني من الغيرة المهنية لديه طاقة سالبة واضطراب نفسي خطير قد يقود إلى الانتحار نتيجة الاكتئاب او محاولة إيذاء الآخرين جسدياً والتخلص منهم بأشكال مختلفة، وقال ان هذه النار تحرق اولاً من يشعر بها قبل أن تنتقل للآخرين، وختم حديثه بالتشديد على ضرورة التأهيل النفسي وتقبل الآخرين، وقال: (يمكن ان ننجح مع بعضنا وان يكون نجاح كل سوداني نجاحاً للوطن، وان نبذر بذور التعاون العقلي والذهني والمعرفي، وأن نبعد عن الغيرة المهنية التي لا طائل منها سوى تدمير الآخرين).
لا تجوز
وحول رأي الدين في هذه الظاهرة وتصاعد نيران الغيرة المهنية، يقول استاذ الشريعة الإسلامية عبد السلام حسب الله: (هذا الأمر غير جائز شرعاً ويعتبر من الذنوب، اذ ان الحقد والحسد معاقب عليهما دينياً، كما ان على المسلم ان يحب الخير لنفسه وللآخرين كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وأضاف قائلاً: (وعلى المهني المسلم أن يتمنى الخير لنفسه وللآخرين، وان يطلب من الله ان يجعله في مكانة ذلك الشخص الذي يعلوه مكانةً، دون محاولة النيل منه او تلفيق التهم له، اذ يقع ذلك في إطار الغيبة والنميمة والبهتان وكلها ذنوب عظيمة يعاقب الله تعالى عليها)، ودعا في الوقت نفسه جميع المهنيين إلى التعاون في البر والتقوى، وانه يذكرهم بأنه لا خير في نجواهم الا من أمر بصدقة او إصلاح او معروف بين الناس.

المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

صحيفة الانتباهة

تعليق

  • الشعب السوداني مشهور بالحسد وهو متوارث فيه
    يقال انه (15) قبيلة عربية هاجرت إلى السودان ومنها (13) قبيلة مشهورة بالحسد