*شبكات الصرف الصحي لا تقل أهميةً عن شبكات الكهرباء والماء*
*يمكن تمويل مشروع الصرف الصحي بنظام البـوت (BOT)*
*حفر آبار السايفون خطر صامت للمباني والصحة والبيئة*
*تضاريس العاصمة الخرطوم وأراضيها جيدة ومسطحة؛ تساعد على قيام شبكات الصرف الصحي وأفضل من عواصم أخرى*
*المواطن السوداني يدفع مبالغ مالية كبيرة لحفر السايفون والشفط بالعربات؛ وهذا دليل على أنه ليس لديه مانع من دفع الرسوم الشهرية لإدارة شبكة الصرف الصحي إذا تم عملها*
*التمدد العمراني وتمدد الأسر والعوائل وزيادة عدد السكان؛ وهذا يُحتم إقامة شبكات الصرف الصحي*
*مشروع شبكة الصرف الصحي من المشروعات الخضراء لمجابهة تغير المناخ، ويمكن للدبلوماسية البيئية السودانية أن تلعب على هذا الوتر الحساس؛ لتجد الدعم الفني والمادي والإستشاري*
لا يخفى عليكم الطفرة العمرانية التي حدثت في السودان وولاية الخرطوم بصفه خاصة في المباني العالية متعددة الطوابق، وتمددت الأسر والعوائل وزيادة في السكان؛ وحتماً سينتج من هذه المباني مياه الصرف الصحي؛ التي ظهرت روائحها النتنه وآثارها السلبية والتردي البيئي والصحي الظاهر للعيان.
في موضوع مياه الصرف الصحي والتحديات والحلول الدكتور/ الفاتح يس الأستاذ الجامعي في عدد من الجامعات والكليات والمعاهد العليا والباحث يضع النقاط على الحروف.
س. د. الفاتح يس، في البداية ما هي مياه الصرف الصحي تحديداً؟ وهل المياه العامة المنبعثة من المصانع تعتبر من مياه الصرف الصحي؟
مياه الصرف الصحي هي المياه العادمة الناتجة من المباني السكنية مثل مياه الاستحمام ومياه غسيل الأواني والملابس والحوائط؛ بالإضافة إلى المياه الناتجة من دورات المياه (toilets). لكن المياه العادمة الناتجة من المصانع تعتبر مياه صرف صناعي وليست مياه صرف صحي.
س. ماهي مكونات مياه الصرف الصحي؟
هي مياه مختلطة ببقايا الصابون والمنظفات والمبيدات الحشرية والبول والبراز والزيوت المعدنية وزيوت الطعام وبقايا الأطعمة والمشروبات.
س. كيف يتم التصرف في هذه المياه في السودان؟
إنتشرت ظاهرة حفر آبار السايفون والمصاصات في ولاية الخرطوم منذ عشرات السنين؛ وتجد كل منزل او كل مبنى به بئر سايفون، لدرجة ممكن تجد في كل عشرة منازل ما يفوق الستة او سبعة بئر سايفون خاصةً في الأحياء السكنية الراقية مثل الرياض والطائف وكافوري وغيرها؛ ولك أن تتخيل عدد آبار السايفون.
س. ماهي سلبيات حفر آبار السايفون؟
بلاشك هذه الآبار تلوِّث المياه الجوفية في حالة إختلطت بها، وليس هذا فحسب؛ بل تتشرَّب وتمتص التربة وطبقات الأرض السطحية بهذه المياه (مياه الصرف الصحي)؛ وهذا ربما يُعرِّض المباني التي حول او بالقرب من هذه الآبار الي أن تصل إليها هذه المياه وهي غنية بالاملاح والزيوت، وهذا ما يُعرِّض أساس (الساس) هذه المباني الي السقوط او الهدم او ظهور تشققات في الحوائط على أقل تقدير؛ خاصةً إذا كان هنالك خلل او تسريب في نظام توصيل الشبكة (السباكة) او في غرفة المعالجة (السابتانك).
س. هل هنالك مؤشرات تؤكد او توحي بخطورة آبار السايفون؟
نعم ظهرت ظاهرة النَزّ في بعض الأحياء السكنية في العاصمة في الخرطوم وبحري وامدرمان وظهور طفح لمياه الصرف الصحي وظهور أيضاً ظاهرة النز في بعض الولايات مثل عطبرة ونهر النيل وبعض مدن شمال السودان.
س. هل كل هذه الحالات سببها مياه الصرف الصحي؟
لا وما زالت الدراسات جارية لمعرفة الأسباب؛ لكن ربما مياه الأمطار والسيول والفيضانات ليها دور؛ خاصةً لعدم وجود شبكة لحصاد مياه الأمطار في السودان، وهذه المياه تتوغل الي داخل طبقات الأرض عبر مسامات التربة، وبعضها يتبخر، حتى التعدين العشوائي متهم في هذا التردئ البيئي، وأيضاً إقامة السدود ربما عمل خلل في المجرى الطبيعي لمياه النيل، وتغير في المناخ، ولو لاحظتم أن شمال السودان بدأت تنزل فيه الأمطار.
س. ماهو سبب الطفح لمياه الصرف الصحي فوق المنهولات وغرف التفتيش التي نراها في الشوارع؟
لأن مياه الصرف الصحي تختلط بالتراب والطين والشعر والزيوت وبقايا الأطعمة وبقايا المخلفات الصلبة الأخرى، وتدخل الي الشبكة وتعمل على تقفيلها؛ بالإضافة إلى كمية مياه الصرف الصحي أكتر من حجم الشبكة المصممة. بجانب الإستعمال الغير جيد من المواطنين مع أدوات ومنظومة الصرف الصحي عموماً.
س. هل هنالك خطورة في المستقبل او هنالك خوف من آبار؟
خطورة آبار السايفون وحفر (المصاصات) تكمن في أنها لا تظهر آثارها سريعاً ولا ينتبه لها أحد؛ وثقافة حفر آبار السايفون مستمر في السودان بواسطة الشركات الوطنية والأجنبية (الشركات السورية كمثال)؛ بالرغم من أن القوانين البيئية تمنع ذلك.
س. هل ستستمر عمليات حفر آبار السايفون ولماذا لا تستطيع الحكومة وقف الحفر؟
سيستمر الحفر ولن تستطيع الحكومة أن توقف حفر هذه الآبار؛ لأنها ببساطة ليس لديها شبكة صرف صحي الا شبكات صغيرة؛ تستوعب مياه عدد قليل من السكان والمباني.
س. ماهي المشاكل التي تواجه شبكات الصرف الصحي الموجودة الآن وأسباب الطفوحات؟
سببها لأن الشبكة الحالية صغيرة وقديمة وشبكة الأنابيب بعضها مصنوعة من مادة الاسبيستوس التي تسمح لــ جذور الأشجار الصغيرة التوغل بداخلها ومن ثم تنمو هذه الجذور وتقفل الأنابيب.
س. ماهو الحل في نظرك؟
لابد من إقامة شبكات للصرف الصحي في ولاية الخرطوم، ومن ثم الولايات الأخرى؛ وإلا ستتعرض مباني العاصمة الي الإنهيار مع مرور الزمن؛ وهذا سيعتمد على نوعية التربة والطبقات الأرضية.
س. إذا ركزنا على ولاية الخرطوم بإعتبارها العاصمة؛ هل هنالك ميزة إيجابية في ولاية الخرطوم تساعدها لإقامة شبكة للصرف الصحي؟
نعم هنالك ميزة إيجابية في ولاية الخرطوم وهي أن تضاريس أراضي ولاية الخرطوم مسطحة الي حد كبير وتكاد تخلو من الوديان والجبال الا القليل؛ إذا قارناها بمدن وعواصم بلدان أخرى؛ أضف الي ذلك أن ولاية الخرطوم بها إنحدار من شرق النيل الي نهر النيل، ومن غرب النيل الي نهر النيل.
س. بالرغم من أهمية مشروع إقامة شبكة للصرف الصحي في العاصمة الخرطوم؛ إلا أن هذا المشروع عجزت وتهرّبت منه كل الحكومات التي تعاقبت على حكم السودان منذ الإستقلال المجيد؛ بما فيها حكومة الإنقاذ التي حكمت السودان ثلاثة عقود. لماذا؟
سبب عجز الحكومات السودانية في إقامة شبكة للصرف الصحي؛ لأن المشروع يحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة جداً؛ بالإضافة إلى أنه مشروع يحتاج إلى دراسات مستفيضة دقيقة وخبراء وبيوت خبرة متعددة التخصصات interdisciplinary.
س. حالياً أصبحنا أمام أمر واقع وهو ضرورة إقامة شبكات للصرف الصحي في ولاية الخرطوم، ماهي الصعوبات والتحديات التي تعيق من إقامة شبكة للصرف الصحي الآن؟
كلنا يعلم الوضع الإقتصادي والسياسي الهش الذي تمر به البلاد؛ وهذا المشروع يحتاج إلى إستقرار سياسي وإقتصادي.
لكن ممكن إقامة هذا المشروع الحيوي بنظام الــ بــوت (BOT) وهي إختصار لــ
Build,
Operate,
Transfor
وهو نظام يعتمد على أن تتكفل شركة بــ إقامة وبناء المشروع وتشغيله بواسطة هذه الشركة، وتأخذ الأرباح مائة في المائة لمدة من الزمن وتتناقص الأرباح تدريجياً مع مرور الزمن، إلى أن تؤول ملكية المشروع كاملاً الي حكومة السودان بعد فترة من الزمن؛ وهذا يعتمد على حسب التعاقد بين الحكومة والشركة المنفذة المشروع.
بجانب منع الآثار السلبية التي تنتجها حفر آبار السايفون والمصاصات؛ هل هنالك فائدة من إقامة شبكة للصرف الصحي؟
الفائدة من إقامة شبكة للصرف الصحي هو تجميع المياه وفلترتها ومعالجتها؛ ومن ثم يُعاد تدويرها لتستخدم في الزراعة والإستخدامات الأخرى، وهذا يعني أن هذه المياه المعالجة تُعتبر المنتج النهائي في مشروع شبكة الصرف الصحي.
ما المشروع الذي يجب عمله بجانب شبكة للصرف الصحي؟
يحتم أن تُقام مشروعات زراعية ورعوية ومزارع للحيوانات والاسماك؛ ليُستفاد من هذه مياه الصرف الصحي التي تم معالجتها؛ بإعادة إستخدامها وإعادة تدويرها.
هل يتم إعادة إستخدام كل المياه المعالجة في هذه المشروعات الزراعية، وكيف التصرف في باقي المياه المعالجة، وما هي الفائدة؟
ممكن طرح المتبقي منها في الأراضي الخالية لمنع التربة من الإنجراف، ولتقليل نسبة الجفاف؛ وبالتالي التقليل من إرتفاع درجة الحرارة؛ وهذا يساعد في التكيف والحد من ظاهرة تغير المناخ التي أصحبت تؤرق مضاجع كل العالم.
على الصعيد المناخي والبيئي كيف ترى مشروع إقامة شبكة الصرف الصحي في السودان؟
مشروع إقامة شبكة للصرف الصحي من المشروعات الخضراء التي تحقق أهداف التنمية المستدامة.
كيف تستفيد الدبلوماسية السودانية البيئية وتحقق هذا المشروع الصحي؟
السودان مرشح ليكون سلة غذاء العالم؛ ويُمكن للدبلوماسية السودانية أن تلعب على هذا الوتر الحساس؛ لتجد دعم مادي ولوجستي وإستشاري من صندوق المناخ ومن أموال الإلتزامات التي إلتزمت بها الدول المتسببة في ظاهرة الاحتباس الحراري؛ للحد من ظاهرة تغير المناخ، ومن المنظمات العالمية التي تدعم المشروعات الخضراء.
كلمة آخيرة؟
مشروع شبكة الصرف الصحي مشروع شائك ومعقد، وصعب تنسيبه الي تخصص معين او وزارة معينه؛ ولهذا لابد من عمل فريق بحثي وتنفيذي لعمل دراسات وبحوث لمعرفة كيفية تصميم شبكات للصرف الصحي تناسب مناخ السودان وتضاريسه؛ هذا الفريق البحثي لابد أن يكون متعدد التخصصات، ويتألف من مهندسين مدنيين ومعماريين ومهندسي الكهرباء وخبراء في التخطيط العمراني والحضري وخبراء في البيئة والمياه والجغرافيا والمناخ والإقتصاد الأخضر وإقتصاديون، ولابد من التنسيق بين الوزارات ذات الصلة مثل وزارة التخطيط العمراني والترقية الحضرية والإسكان وجهاز الإحصاء ووزارة الطرق والجسور وهيئة مياه الشرب ووزارة الزراعة والغابات والثروة الحيوانية ووزارة الكهرباء والسدود وهيئة الصرف الصحي والمجلس الأعلى للبيئة؛ لتتكامل جهود هذه الوزارات؛ ليتم التنسيق في ما بينها؛ وتكون وزارة البنية التحتية بمثابة العمود الفقري لهذه الوزارات وهذه المؤسسات.
المصدر من هنا