كتابات

هيثم الفضل يكتب هل الحزب الشيوعي خلية كيزانية ..؟!

مصدر الخبر / الجريدة

على مدى سنوات عديدة مضت وأنا أستقي من اليمين واليسار أقوالاً وإنطباعات عن الحزب الشيوعي والشيوعيين ، ثم تمحوَّرت تلك الأقوال والإنطباعات فأصبحت قناعات تخصني بعضها إيجابية والأخرى سلبية ، أهم قناعاتي الإيجابية في الحزب الشيوعي والشيوعيين أنهم أهل نضال وصمود ونزاهة ، أما قناعاتي السلبية فقد كنت على الدوام مُتشكِّكاً فيها لأن مصادرها الأساسية كانت في معظمها مبذولة من جماعة الإسلام السياسي الذين لا أثق في جُل ما يقولون وما يدَّعون ، فقد كان الحزب الشيوعي عندهم على الدوام مُتهَّماً بالضلوع في تنفيذ أجندة خارجية ماركسية تعتمد في إرسائها بالمقام الأول على تصفية الفُرقاء السياسيين وإحتكار السلطة والمنابر الفكرية ، وأن المسار الأوحد لإنفاذ الثورة البلشفية الكُبرى هو ديكتاتورية الحزب الشيوعي الحاكم بأمر البلوتاريا الغالبة ، وهو في نهاية الأمر يستمد هذا الحق السلطوي الغاشم من قداسة مبدأ الإنحياز للضُعفاء القائمين على أمر الإنتاج والنماء العام في الدولة.
الآن الحزب الشيوعي لا يمكنه المضي قدماً في دهاليز منهجه القديم دون (تعديل) يناسب ما طرأ من إنهيار للنموذج الأكبر للشيوعية العالمية والمُسمى سابقاً بـ (الإتحاد السوفيتي) بعد الإضطرار إلى إعلان (تسرُّب) مضامين وأشكال النظام اليبرالي الغربي المنافس في متون الأنظمة الإشتراكية العالمية ، وإنتصار ثورة (البروسترويكا) التي تنبأ وبشَّر بها الفيلسوف فوكوياما في كتابه الشهير (نهاية التاريخ).

في السودان وفي غضون تاريخنا المعاصر ظهرت جلياً (إنعكاسات) الإنهيار الفكري والآيدلوجي للمنهج الشيوعي ، في توجُّهات الحزب وإدارته للأزمة السياسية التي يعانيها الوطن والمواطن ، بالقدر الذي دفع الكثير من المُطَّلعين والمُختصين للتساؤل المشروع (ماذا يريد الحزب الشيوعي والشيوعيون من مواقفهم الداعمة لعدم إستقرار الوضع السياسي في السودان ؟) ، فمنذ إنتصار ثورة ديسمبر المجيدة ، وتمَّكُن الفرقاء السياسيون عبر مُنسقية قوى الحرية والتغيير من إعلان حكومة حمدوك الأولى والثانية للفترة الإنتقالية ، ظل الحزب الشيوعي (مُغالياً) و(مُتطرِّفاً) في معارضته و(مُعاداته) للحكومة الإنتقالية والتي إنتهت في ذلك الأوان بإنسحابه من مُنسقية قوى الحرية والتغيير على إثر الخلافات التي إنتجتها مُخرجات المؤتمر الإقتصادي الذي إقيم في عهد وزير المالية السابق د. إبراهيم البدوي ، حيث إعتبر الحزب تلك المُخرجات بمثابة إعلان للتوجه الإقتصادي الرأسمالي وإشارة إذعان لما أسماه اللبرالية الغربية ، ثم ظل الحزب الشيوعي (يُناطح) حكومتي حمدوك ويحاربهما بأشرس وأعتى أشكال المعارضة والإتهامات والإضعاف ، حتى نافس في ذلك المضمار فلول الإنقاذ أنفسهم حتى سقطت الحكومة الإنتقالية بإنقلاب 25 أكتوبر تحت طائلة لا عزاء للجميع ، ثم مازال الحزب الشيوعي والشيوعييون يُجاهدون ويبذلون الغالي والرخيص في مواجهة أيي مساعي تدعو لوحدة قوى الثورة بُعيد الإنقلاب المشئوم بكل ما يحمل ذلك من (مكاسب) للإنقلابيين وفلول النظام المباد ، ثم ها هو الآن يُحارب ما أسماه (التسوية) السياسية التي يُعلن المشاركون فيها كل يوم بل وعلى مدار الساعة أنهم لن يتنازلوا فيها قيد أنملة عن مطالب الثورة وشعارات الشارع الثوري ، فكلما إنحلت عُقدة قام الحزب الشيوعي بخلق عُقدة أعقد من سابقتها ، حتى يطول أمد الإنقلاب بما يقود إليه ذلك من مخاطر أهمها إستمرار عودة الفلول وتغلغلهم في مفاصل الدولة ، فضلاً عن إتساع دائرة الإنهيار الإقتصادي والإنفلات الأمني ، لا أصدق أبداً أن الحزب الشيوعي تفوت عليه أن المصلحة الوطنية العامة تتطلَّب أحياناً الركون إلى إنصاف الحلول والقبول بالواقع المؤقت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من باب (المال تِلتو ولا كتِلتو) ، بالقدر الذي يجعني على إستعداد لتصديق من سيقول أن الحزب الشيوعي لم ينجو من الحملة (التمكينية) الكيزانية التي إستمرت على مدى ثلاثين عاماً ، وأنهُ مجرَّد خلية كيزانية تعمل تحت الأرض وفوق الأرض لمنحهم المزيد من الوقت للإنقضاض على الثورة والثوار والمسار المدني الديموقراطي.

[email protected]

عن مصدر الخبر

الجريدة

تعليق

  • ما قلت الا الحق بس بلحن مختلف
    فهم لا يدركون ابعاد وخطورة ما يقومون به، بالسباحة ضد التيار،
    لشيء في نفس يعقوب
    بحسب قانون علي وعلي اعدائي،