الشد والجذب بين دولتي الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا انتقل إلى الخرطوم، وتحديداً بين سفارتي تلك الدولتين، فنذر الصدام بينهما ليس وليد اللحظة، فالعلاقات بينهما وصلت حد طرد السفراء وإنهاء التمثيل الدبلوماسي.
العلاقات بين الأمريكان والروس في حالة عداء مكشوف، فكل طرف يهاجم الآخر، فهما طرفا المحاور في الشرق الأوسط، ما أن حدثت أحداث في المنطقة إلا ووجدت دولة تقف مع أحد أطراف النزاع والدولة تقف بجانب الطرف الآخر.
وعلى الرغم من المصالح لتلك الدولتان في السودان، إلا أن تلك الدولتان لم تصطدما مع بعضهما البعض، فسفارة روسيا وواشنطن في الخرطوم التزمتا الصمت في الفترة السابقة، ولم تجرؤ سفارة على مهاجمة الأخرى.
سفير الولايات المتحدة الأمريكية في الخرطوم جون جودفري أوضح عن متابعته لتقارير تتحدث عن سعي روسيا لتنفيذ اتفاق سابق مع نظام الرئيس المعزول عمر البشير، في 2017 لتنفيذ قاعدة عسكرية بحرية على ساحل البحر الأحمر. وقال في حوار نشر بصحيفة (التيار) من المهم أن نقول إن العزلة الدولية على موسكو تتزايد حاليًا بسبب الغزو غير المبرر لأوكرانيا.
وأضاف: إذا قررت حكومة السودان المضي في إقامة هذه المنشأة أو إعادة التفاوض حولها سيكون ذلك ضاراً بمصالح الخرطوم، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى مزيد من عزلتها في وقت يريد معظم السودانيين أن يصبحوا أكثر قربًا من المجتمع الدولي. وأكد على أحقية جميع البلدان في اختيار الدول التي تنشئ شركات معها، لكن هذه الخيارات لها عواقب، لافتاً إلى أن توقف مشروع لإنشاء قاعدة بحرية روسية على ساحل البحر الأحمر، على الرغم من بدء الخطوة، نتيجة لخلافات بين أطراف حكومة الانتقال آنذاك حيال الخطوة.
السفارة الروسية ردت على تصريحات الأمريكان في أقل من 24 ساعة، ووصفت السفارة الروسية تصريحات السفير بالمتعالية والسخيفة.
وقالت سفارة روسيا في بيان تلقت (الحراك) نسخة منه إن تصريحات السفير الأمريكي، جون جودفري المعين حديثاً لصحيفة (التيار) باستنساخ تعاملات وزارة الخارجية الأمريكية المتعالية، بعيدًا كل البعد عن الملاءمة الدبلوماسية، وذلك بسبب قلة خبرته، على حد تعبيرها.
وتابعت: السفير الذيّ وصل مؤخرًا إلى الخرطوم، وهو يعوض عن سطحية معرفته بالسودان بـ“مصادر” مشبوهة، قرر في مقابلته الأخيرة أن يتطرق إلى العلاقات الروسية السودانية. وأضافت بسبب قلة خبرته وكذلك استنساخه لتعاملات وزارة الخارجية الأمريكية المتعالية، يحاول السفير الأمريكي، مثل أسلافه، أن يتكلم مع الشعب السوداني بلغة التهديدات والإنذارات النهائية في شأن سيادة الخرطوم في سياساته الخارجية، واصفةً حججه حول النظام العالمي الحالي بالسخيفة، والأكثر سخافة هو تصريحاته حول ما يسمى بـ”عزلة روسيا.
وأكدت السفارة عزم روسيا على التطوير المتتالي للتعاون مع السودان على مبادئ الاحترام المتبادل المنفعة والمتساوية التي تنساها أو تتناساها واشنطن دائماً. ومضت السفارة بالقول: أما السفير الأمريكي، فنوصي له بأخذ كل هذا بعين الاعتبار أثناء عمله في منصبه العالي.
فيما يرى المحلل السياسي د. الطيب أحمد أن الصراع الروسي الأمريكي في منطقة الشرق ليس بجديد، سبق وأن تدخل في حرب ليبيا وكذلك بسوريا وغيرها من البلدان التي شهدت أحداثاً أو حروباتٍ.
وقال الطيب لـ(الحراك) المناوشات الكلامية الحالية بين سفارتي الدولتين هي نتيجة حتمية للصراع الدائر بينهما منذ زمن ليس بالقليل، وأضاف: حالياً الصراع حول مصالحهما في السودان يمكنني القول بأنه تم كشفه والتحدث عنه بصوت جهور، فكل متابع ومراقب للشأن السوداني يعرف أن الدولتين متصارعتان حول السودان، باعتبار السودان منطقة محورية وذات أهمية اقتصادية كبيرة لا يمكن أن يتنازل طرف منهما للآخر، مبيناً استمرار الصراع بينهما إلى وقت ليس بالقريب، ولن تنتهي محاولات إزاحة طرف عن طريق الآخر بالسودان بشكل سلس، فكل السيناريوهات التي يمكن أن تستخدمها الدولتان من أجل تحقيق أهدافهما متاحة وممكنة.
وأضاف: التجارب التي حدثت في التاريخ بأن الصراع بين الجبابرة لا يراعي مصلحة الشعوب وإنما يراعي فقط لمصلحتهما، فإن الأهداف والمصالح إذا انتفت فكلاهما سيغادران الخرطوم بهدوء تام دون إحداث أي ضوضاء.
وتابع الطيب: فالقاعدة البحرية تعد واحدة من عشرات المصالح لدى الدولتين العظمتين، فلذلك مساندة الروس لقائد الدعم السريع واضحة المعالم والعلاقة بين الرجل وروسيا تعتبر في أحسن حالاتها، لذلك سيعمل الروس على دعم ذاك الاتجاه لأنه الضامن الحقيقي لمصالحهم في السودان. أما الأمريكان فوجود حكومة عسكرية يعتبر ضد تطلعاتهم، وتريد حكومة مدنية داعمة للتحول المدني الديمقراطي، فهنا يمكن أن تجد الولايات المتحدة الأمريكية موطئ قدم لها في السودان.