تقرير: رندا عبدالله
مجددا على سطح المشهد يبرز ملف تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية من جديد. ذاك الملف الأكثر تعقيدا، منذ سنوات عدة، فقد وصل أمس الأول البلاد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، في زيارة رسمية تمتد لأسبوع، تهدف إلى تحريك ملف محاكمة البشير وزمرته، عقب حالة من الجمود التي تعتريه منذ سقوط النظام ابريل ٢٠١٩.
وعلى الرغم من جند الزيارة المعلن والتي تأتي في إطار تحريك الملف، إلا ان تساؤلات أخرى تطرح نفسها حول تعقيدات الملف، وكيفية صياغته في ظل غياب حكومة انتقالية؟ فهل يفلح خان في مهمته الصعبة في هذا الملف المعقد؟ ام ان زيارته تأتي للبحث عن مزيد من أدلة الاتهام في قضية كوشيب؟
شرط تفاوضي
منذ سقوط البشير أبريل ٢٠١٩، والأصوات تتعالى بضرورة تسليمه وأعوانه للمحكمة الجنائية الدولية، لما اقترفوه من جرائم حرب واخرى ضد الإنسانية، في دارفور، غير أن أعضاء المجلس العسكري وقتها رأوا عدم تسليمه لاعتبارات انه القائد الأعلى للقوات المسلحة، وان الأمر سيكون بمثابة عار في جباههم، مع رؤية محاكمته داخليا، إيمانا بنزاهة القضاء السوداني العادل. لكن وبعد تشكيل حكومة الشراكة، بدأت مواقف الحكومة من قضية التسليم قابلة للتغيير وفق ما اقتضته متغيرات الأحداث، فتم الاتفاق مع الحركات المسلحة في جوبا، بتسليم كافة المطلوبين للمحكمة الجنائية، كشرط تفاوضي من قبل الحركات المسلحة، وضع المكون العسكري في خانة ضيقة وجعله يقبل بتسليمهم ومحاكمتهم، لكن داخل البلاد.
تعقيدات
ونجد أنه وفي أعقاب فوز المرشح البريطاني كريم خان، مدعيا عاما للمحكمة الجنائية، خلفا للمدعية السابقة (فاتو بانسودا) ذهبت كل التوقعات إلى نحي قضية المطلوبين منحى آخرا، سيما في ظل اتهامات طالت، المدعية السابقة في التعاطف مع ملفات الشؤون الأفريقية، وذلك بتبرئتها رئيس ساحل العاج السابق لوران غباغبو من جرائم ضد الإنسانية، وكذا الرئيس الكيني أوهورو كينياتا الذي أسقطت تهم في مواجهته، وأيضا النائب السابق لرئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية جان بيير بيمبا، الذي تمت تبرئته بالاستئناف، غير أنه وبعد نحو شهرين ونصف من زيارة خان للسودان وقع انقلاب ٢٥ أكتوبر الذي تعطلت جراءه مجمل قضايا الانتقال.
ولم تستبعد قيادات للحرية والتغيير إغلاق ملف الجنائية، بعد الانقلاب خاصة في ظل دعوات بضرورة إطلاق سراح معتلقي النظام البائد على رأسهم البشير وعودة الإسلاميين للمشهد بقوة. ويذهب كثير من المراقبين إلى وجود تعقيدات كثيرة بشأن هذا الملف في أولها أن قيادات المكون العسكري الحاكمة الآن عملت في دارفور وتطالها قوانين المحكمة الجنائية.
لقاءات
وبمجرد قدوم وفد المحكمة الجنائية للخرطوم امس الأول برئاسة المدعي كريم خان قام الوفد بتسجيل زيارة لدارفور بعد ان عقد في الخرطوم اجتماعا مع وزير العدل المكلف ناقش فيه ملف تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية وفي مقدمتهم احمد هارون لارتباطه بقضية علي كوشيب المنظورة الآن امام المحكمة، فيما أعلنت الأسبوع الماضي مجموعة الحركات المسلحة وبعض القوى المتحالفة معاها اتفاقها على تسليم المطلوبين لاتزال القيادة العسكرية مترددة في اتخاذ القرار النهائي.
وبحسب قناة الشرق السعودية فان وفد الجنائية الدولية سيلتقي فور عودته من دارفور والتي سيمكث فيها يومين سيلتقي القائد العام للقوات المسلحة الفريق اول عبد الفتاح البرهان كما رجحت مصادر أخرى ان يعقد لقاء في الجنينة مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو.
عدم الإفلات من العقاب
وطبقا لإعلام وزارة العدل فان المدعي العام للمحكمة سيجري خلال الزيارة عددا من اللقاءات والاجتماعات مع كبار المسؤولين في الدولة.
ويقرأ في ذلك المحلل السياسي د. وائل ابو كروق في حديثه لـ”الإنتباهة” زيارة وفد المحكمة بانه مواصلة لما بدأته المحكمة الجنائية في البلاد لربط السودان مع النظام الدولي والتأكيد على عدم الإفلات من العقاب خصوصا انه في الفترة الاخيرة بدأت الانظمة التي تحلق حول النظام السياسي ” المجلس العسكري والمبادرات وغيرها” تبرر للإفلات من العقاب، وقال ان المحكمة الجنائية بزيارتها هذه تحاول التأكيد على مبدأ عدم الإفلات من العقاب خاصة وانها واجهت انتقادات مؤخرا بسبب سوريا والإبادات التي حدثت في أوكرانيا وتابع: ان المحكمة طالبت من قبل بتسليم المطلوبين الخمسة للمحكمة الجنائية الدولية وبعد ذلك حدث جمود في الملف وبعد ما حدث في اوكرانيا بدأت المحكمة تفقد رصيدها في المجتمع الدولي ولذلك هي تحاول الآن ان تنفذ محاكمات في الدول الأكثر ضعفا وهشاشة.
مطلوبون
وجدير بالذكر ان علي كوشيب يخضع الى محاكمة بواسطة المحكمة الجنائية الدولية ووجهت له المحكمة الجنائية “٣١” تهمة تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في دارفور بينما يواجه أربعة متهمين من بينهم الرئيس المخلوع عمر البشير والمسؤولان البارزان عبدالرحيم محمد حسين وأحمد هارون ..
وظل ملف تسليم البشير ومساعديه للمحكمة محل تباين في المواقف بين الشركاء طيلة الفترة الانتقالية المنقلب عليها .. ورغم ان حكومة حمدوك وافقت على تسليم البشير لكن ظل التباين واضحا مابين تسليم البشير او مثوله الى المحكمة حتى وقوع الانقلاب في أكتوبر الماضي.
جوانب فنية
وفي مقابل ذلك يرى أستاذ العلوم السياسية مصعب محمد علي ان الزيارة تأتي في سياق متابعة ملف السودان لدى المحكمة الجنائية الدولية بالإضافة لبحث الملفات المتعلقة بالسودان.
وأضاف في حديثه لـ ” الإنتباهة”: أتوقع ايضا ان تكون الزيارة بهدف بحث الملف السوداني ومراجعة الإجراءات المتعلقة بالمحكمة الجنائية في السودان، وأتوقع ان يطرح الوفد المرافق فكرة محاكمة السودانيين داخل السودان.
وتابع: من خلال عدد أيام الزيارة بالإضافة للوفد المرافق أتوقع ان تكون الزيارة متعلقة بالجوانب الفنية أكثر من أي جانب آخر.
المصدر من هنا