كتابات

عثمان ميرغني يكتب بأيِّ ذنب قتلوا؟

مصدر الخبر / جريدة التيار

حديث المدينة
بأيِّ ذنب قتلوا؟

حصيلة دموية مؤسفة بعد مواكب الثلاثين من يونيو أمس الأول الخميس، لكل شهيد سقط قصتان، واحدة تحكي سيرته الذاتية قصيرة العمر، وثانية تصوِّر اللحظات الأخيرة المفجعة.
في السيرة الذاتية، شاب منطلق يحب وطنه وأهله، منفتح في محيطه المجتمعي، لا يعاني من أية مشكلة شخصية تخرجه غضباً للانتقام أو للاحتجاج، ولا ينتمي لحزب أو قبيلة أو غبينة، سيرة ذاتية لأكثر من عقدين أو ثلاثة.
في سيرة الوجع، لحظات القنص أو القتل بأية طريقة، تتزاحم آلاف الخيارات التي يمكن أن تنهي المشهد بلا دماء، ومع ذلك يفوز خيار واحد ينهي حياة الشاب الذي تنتظره أم وأب وأسرة ليعود إلى البيت.

ما بين السيرة الذاتية وسيرة الوجع، ليس في صحائفه جريمة، لم يسرق لم يقتل لم يؤذ لم ولم.. كل الذي فعله فاستحق المقصلة أن أحب وطنه وقرَّر أن يخرج ليعبِّر عن هذا الحب، فقط لا غير.
راجعوا آلاف المقاطع المصوَّرة للحظات الأخيرة، وابحثوا عن إجابة للسؤال المبكي، هل كان قتله جريمة أم لمنع جريمة؟ لو تركه القاتل، بل لو ربت على كتفه ولم يفعل شيئاًـ ما الذي كان ممكناً للشهيد أن يرتكبه؟
خذ مثلاً، شهيد شارع الستين في مواكب الخميس أمس الأول، ما الجريمة التي يمكن أن يرتكبها الشهيد أن لم تقتنصه الرصاصة التي يفترض أنها من حر مال أبيه وأمه وشعبه لحماية المجتمع من المجرمين؟

لو تركه يهتف ثم يمضي في طريقه، ما الذي يمكن تصوُّر أن يرتكبه هذا الشاب المغدور به؟
هل كان الشاب – الشهيد- يحمل سلاحاً نارياً أو يربط حزاماً ناسفاً أو حتى مجرَّد سكين قد تقتل أو تؤذي أحداً؟
إذاً على أي ذنبٍ قُتل؟ ماهي الخيارات التي وجد فيها القاتل نفسه مضطراً لضغط الزناد وقتله؟
أليس هذا – بكل المقاييس- قتلاً من أجل القتل؟
إن كان حادثاً فردياً معزولاً، مرة أو ثلاثة أو حتى عشرة، فمن الممكن أن تحتمل الخطأ غير المقصود، لكن أن تنتهي سيرة الوجع لكل هؤلاء الشهداء على تفاوت الأماكن والأزمان التي قتلوا فيها، بالطريقة نفسها؟
ألا يؤرِّق هذا السؤال أحد؟ أي ضمير أياً كان؟
بكل صدق جريمة القتل هنا تراتبية، تبدأ من الذي حمل السلاح وضغط الزناد، وترتفع تدريجياً إلى أعلى، حتى آخر سنام السلطة، كل من شارك أو أمر أو سمح أو استفاد أو حتى سكت.
كلهم في الجريمة سواء.

عن مصدر الخبر

جريدة التيار