كتابات

محجوب عروة يكتب بعد فشل ثلاثية فولكر.. لنستلهم التاريخ لحل مشاكلنا بأنفسنا الحل في الديمقراطية التوافقية والاتفاق على المشتركات فالانتخابات

مصدر الخبر / السوداني الدولية

“محجوب عروة / قولوا حسنا”

مقدمة: إن ما حدث يوم الأربعاء الماضي وفشل ثلاثية (فولكر- ود لباد والايقاد) في جمع كل القوى السياسية السودانية من أحزاب وشباب مقاومة بهدف وضع أسس سليمة لتجاوز الحالة الوطنية والسياسية البائسة الراهنة لنعبر جميعا بسلاسة وسلام هذه الفترة الانتقالية ونؤسس لنظام ديمقراطي مستدام وراشد حتى الانتخابات القادمة كان بسبب عدم معرفة الثلاثية بالواقع السوداني ولا تأريخه الناصع ولا الالمام الصحيح بثقافته وحضارته الضاربة في جذور التاريخ وأوضح دليل هو ما صرح به فولكر أن الاجتماع سيكون بمن حضر ظنا غبيا بأن الشخصية السودانية تخضع للأجنبي ناسيا او متناسيا تلك الروح الوطنية والبسالة التي واجه بها السودانيون أسلحة الاستعمار الحديثة بصدور عارية وقدموا آلاف الشهداء ولن يستطيع أمثال فولكر ولا قبله مثل غردون باشا أن يفرضوا أجندتهم ما ظهر منها وما خفي من أجل مصالح اجنبية يعرفها السودانيون جيدا كل هدفها وضعنا تحت الوصاية الدولية.. اننا كما قال شاعرنا (نحن في الشدة بأس يتجلى وعلى الود نضم الشمل أهلا)..

السودانيون يمكن أن يصيبوا ويخطئوا ويختلفوا ويتصارعوا مثل غيرهم من شعوب العالم لكنهم يرفضون الذلة والمهانة والاملاءات الخارجية ويحلون خلافاتهم وهنا أستدعي مثالين في تاريخنا.. الأول في الخلاف الشهير بين الثنائية الوطنية التقليدية ممثلة في الحزبين الامة والاتحادي بين خيار الاستقلال أو الوحدة مع مصر لدرجة كادت البلاد ان تنزلق الى حرب أهلية لكن بحكمة السودانيين الآباء المؤسسين تجاوزوا خلافاتهم ومارسوا الحكمة والتعقل واتفقوا على خيار الاستقلال من داخل البرلمان وليس عبر الاستفتاء كما ورد في اتفاقية الحكم الذاتي وللمفارقة كان ذلك يوم 19 ديسمبر 1955 وكأن التاريخ يعيد نفسه بثورة 19 ديسمبر 2019..
المثال الثاني كان عام 1968 بين الثنائية العقائدية ممثلة في تنظيمي الاتجاه الإسلامي واليسارى (الجبهة الديمقراطية) بجامعة الخرطوم في اعقاب حادثة رقصة العجكو الشهيرة بقاعة الامتحانات.. كنت حينها مشاركا وشاهدا على ما حدث ساعة بساعة حين احتدم واستمر الاشتباك اللفظي طيلة اليوم التالي بين الطرفين حتى عصر اليوم، وأذكر جيدا كانت الساحة بين داخليتى كسلا والقاش في مبنى البركس تعكس أن صراعا بالأسلحة البيضاء كاد ان يقع بين التنظيمين لدرجة اقامة صلاة الحرب من جانب الإسلاميين وكانت انتخابات اتحاد الطلاب (kusu) قد بقيت لها ثلاثة أيام.. وقف طلاب الجامعة من أعلى شرفات الداخليات يشاهدون المنظر حيث كادت المواجهة تقترب ومن المؤكد كان سيموت كثيرون ولن يسلم الآخرون من الجروح.. ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان فنزلت العناية الإلهية وحدث التعقل الذاتي حين حضر مدير الجامعة آنذاك البروفسير عمر محمد عثمان له الرحمة فوقف على مسافة واحدة بين الطرفين اللذين كانت تشق هتافاتهم وتهديداتهم ووعيدهم عنان السماء فاجتمع بممثلين للجانبين وطلب البروف من كل جانب ابتعاث مندوب منهم لوضع حل لذلك الموقف العصيب.. ان لم تخني الذاكرة كان الطالب محمد عبد الله جار النبي هو مندوب الاتجاه الإسلامي والطالب عبد العظيم حسنين مندوب الجبهة الديمقراطية.. كنا نشاهد النقاش بينهما والبروفسير يحاول وضع الحلول حتى اتفق الطرفان على الانسحاب ودخول الجامعة في إجازة مفتوحة وتأجيل الانتخابات فتنفس الطلاب الصعداء.. حدث ذلك بين سودانيين دون تدخل أجنبي مثل واقعة الاستقلال..

اليوم السودانيون في أشد الحاجة لتلك الحكمة وذلك التعقل الذاتي فهل يمكن في ظل هذا الانقسام الحاد؟ نعم يمكن.. كيف ذلك؟ دعوني أقترح ان الوضع الحالي يعكس تباينا في الرؤى بين عدة معسكرات تحديدا هي معسكر الذين استجابوا للآلية الثلاثية وحضروا اجتماع الأربعاء الماضي والمعسكر الثاني الرافضون له وهناك معسكر ثالث من الصعب تجاوزه وله قاعدة لا بأس بها اذا رغبنا في الاستقرار السياسي وأقصد به معسكر الاسىلاميين.. الحل في تقديرى يمر عبر الديمقراطية التوافقية بأن يستبدل الجميع الثلاثية الحالية بقيادة فولكر فيحزم هؤلاء أمتعتهم ويخرجوا من البلاد وتبتعد الأمم المتحدة والدول الخارجية ويتفق الجميع على ثلاثية جديدة ووطنية تتكون من ممثلين محايدين بين الأطراف المدنية تمثلهم شخصيات مشهود لها بالاستقلالية والحيدة والحكمة وأخرى نظامية من الضباط المعاشيين مشهود لهم بالاستقلالية والحيدة أيضا.. يجتمع هؤلاء ويقترحون الآتي: حكومة مستقلة لمجلسي السيادة والوزراء برئاسة مقبولة من الجميع لتدير متبقى الفترة الانتقالية.. ويضع هؤلاء الحكماء المستقلون أجندة لمؤتمر دستورى تمثل فيه كل المكونات المدنية السياسية والنظامية دون اقصاء سياسي وذلك بهدف الاتفاق على المشتركات الوطنية والدستورية والسياسية وموعد الانتخابات بوضع نظامها الذي يرتكز على التصويت بالقوائم وليس الدوائر الجغرافية..

يتفق على أن تتوقف المواجهات المختلفة خاصة اللفظية والمظاهرات والاضرابات واغلاق الطرق والموانئ وينصرف الجميع لاعادة بناء أحزابهم مؤسسيا ووضع برامجهم والاستعداد للانتخابات ولعله سيكون من الأوفق لو تم اختيار مجلس تشريعي يمثل فيه الجميع دون اقصاء ودون غلبة في التمثيل لحزب أو تحالف ويتم وضع دستور انتقالي مثلما حدث عقب ثورتي أكتوبر وابريل وذلك بديلا للوثيقة الدستورية القاصرة التي أنتجت ما نحن فيه من خلافات وصراعات ومتغيرات سياسية زادت النار اشتعالا خاصة بعد ما حدث في 25 أكتوبر الماضي وقبله اختطاف بعض المكونات السياسية لثورة ديسمبر وفرض رؤاها وتصرفاتها التي استفزت الآخرين وجعلتهم يسقطونها.. ولا بد من تكوين المحكمة الدستورية استكمالا للنظام العدلي وسيادة حكم القانون.. دعونا نكون وطنيين ونستلهم تاريخنا الناصع وكفانا تدخل الأجانب في أخص شؤوننا فهم لا يسمحون لنا بذلك.

عن مصدر الخبر

السوداني الدولية