“محجوب عروة / قولوا حسنا”
جامعة الخرطوم… هذه المنارة التي قدمت للوطن الكثير حتى قبل أن تتحول لجامعة حين كانت تسمى كلية غردون التذكارية كانت قلعة من قلاع الوعي والاستنارة والوطنية ،لا زالت تقدم الكثير والكثير في كل نواحي الحياة.. هي التي علمت الأجيال كيف تناضل ضد المستعمرين وتثور لتسقط الديكتاتوريات منذ الحركة الوطنية ثم عندما أشعلت ثورة أكتوبر في الحادى والعشرين عام 1964 قدمت الشهيد تلو الشهيد وساهمت في كل ما يجنب البلاد الانزلاق في الفوضى والحروب الأهلية فكان مؤتمر المائدة المستديرة لمعالجة مشكلة الجنوب عقب ثورة اكتوبر فجلست جميع القوى السياسية من الشمال والجنوب حضرها حتى الذين كانوا يحملون السلاح جاءوا من الأحراش وطرحوا رؤاهم في ذلك المؤتمر ورجعوا لقواعدهم دون أن يساءلوا ومنهم من بقي في الوطن وانخرط في العمل الوطني السلمي ومنهم من قدم روحه فداءً للوطن ولقضيته العادلة أمثال وليم دينق وغيره..
وفي كل الدروب السياسية الوعرة التي مرت على البلاد رفض أحرار الجامعة من أساتذة وطلاب في كل الأنظمة الديكتاتورية منذ نظام مايو حتى نظام الانقاذ كل تصرفاتهما وسياساتهما الفاشلة الضارة بالوطن فقدموا المبادرات تلو المبادرات الوطنية الخالصة التي أنتجتها عقول أساتذة الجامعة وطلابها من أجل الاصلاح والحكم الديمقراطي الرشيد.. ولما رفضت تلك الأنظمة النصائح والمبادرات كما حدث في ثورة شعبان عام 1973 وقبلها فى شهر مارس 1971 حين رفض الطلاب قرارات النظام فقاموا باحتلال الجامعة فحاصرتهم الدبابات فرجع قائدها الرائد أبو القاسم مهزوماً.. ( سأتناول غداً في مذكرات الجمعة كثيراً من تفاصيل تلك الفترة منذ أن دخلتها طالباً في العام 1968)..
شخصياً شاركت في معظم مبادرات الجامعة في فترة الإنقاذ ولكن من كانوا يتحكمون رفضو النصح وكانوا لا يحبون الناصحين فسقطوا جزاء” وفاقا بسبب التعنت والغباء السياسي والعمى الاستراتيجي..
كان يفترض من الذين أداروا الفترة الانتقالية عقب ثورة ديسمبر حتى اليوم من عسكريين ومدنيين أكثر وعياً لكل ما تعرضت له الثورة من مخاطر ومنزلقات ولكن بسبب قصور الوثيقة الدستورية والخضوع للأجندة الخفية وشهوات السلطة حدثت خلافات عميقة بينهم إلا أن متعة السلطة وشهواتها جعلتهم يتجاهلون رغبات الشعب والثوار وأمانيهم المشروعة في تحقيق شعارات الثورة فاحل الذين أداوا السنوات الماضية للثورة الوقت والجهد في الخلافات والصراعات والاستمتاع بامتيازات السلطة وذلك حين كانت الأجندة الحزبية والشخصية هي جل مدار تفكيرهم وممارساتهم فكان الفشل والتشقق والتخندق والمزيد من الصراعات!!
وفي حين انشغل حكام وساسة الفترة الانتقالية وأحلوا الصراع محل التوافق خرجت من بين دم وفرث السياسة وخوفاً من تكرار الماضي عدة مبادرات وطنية خالصة أججتها الأجندة الأجنبية التي تدس السم في الدسم لها أجندتها الضارة التي لا تتفق مع الأجندة الوطنية فكانت مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم مثل كل المبادرات الأخرى .. فهل تنجح أم تصم كل القوى المدنية والعسكرية آذانها فتعود الدورة الخبيثة التي سادت البلاد من جديد بسبب الرفض والتعنت والأجندة السياسية الخفية؟ هذا هو السؤال الذي يتعين أن يجيب عليه الجميع..
إذا سادت الحكمة والرغبة في النجاح فالأوفق أن يعمل الجميع على توحيد كل المبادرات ويعملون على قدم الجد وساق الاجتهاد على انجاحها انطلاقاً من مبادرة أساتذة الجامعة بأعجل ما يمكن فالوقت لا يسمح بالتباطوء والسلحفائية التي نشتهر بها كسودانيين أو بسبب الحسد السياسي الذي جعل ذلك المفتش الانجليزي قبيل الاستقلال الذى قال للناظر منعم منصور الذي كان أحد دعاة استقلال السودان – كما روى لي ابنه وزير المالية الأسبق المرحوم ابراهيم منعم – أن المفتش الانجليزي قال للناظر ستحصلون على الاستقلال ولكنكم معشر الساسة السودانيون ستفشلون في إدارة بلادكم لأنكم تمارسون آفة الحسد ضد بعضكم البعض وضرب له مثلاً إذا بعض السودانيين أزال قبعته من مكان عال وسيمنح الفائز جائزة مالية كبرى فكلما قرب أحدهم من انزالها جذبه الآخرون حسداً كي لا ينجح، في حين أن الأوفق أن يتفقوا جميعاً ويجعلوا أحدهم يصعد وينزل القبعة ثم يقتسم الجميع الجائزة بمساواة.. ترى هل صدق المفتش أم صدق عم أزرق ذلك الرجل البسيط الذي أنشأ حزب تقدم السودان وظل يقول لا تستعجلوا بالاستقلال حتى لا تفشلوا واتركوا الانجليز يعلموكم الديمقراطية كما فى الهند التي تشابه ظروفها وتنوع سكانها السودان !!